للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياة الأوروبية، فإنه على الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الأزدهار الأوروبي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة، فإن هذه المؤثرات توجد أوضح ما تكون وأهم ما تكون في نشأة تلك الطاقة التي تكون ما للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة، وفي المصدر القوي لازدهاره، أي: في العلوم الطبيعية وروح البحث العلمي".

ويستطرد فيقول:

"إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة، بل يدين هذا العلم للثقافة العربية بأكثر من هذا، إنه يدين لها بوجوده نفسه، فالعالم القديم -كما رأينا- لم يكن للعلم فيه وجود. وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علومًا أجنبية استجلبوها من خارج بلادهم, وأخذوها عن سواهم، ولم تتأقلم في يوم من الأيام فتمتزج امتزاجًا كليًّا بالثقافة اليونانية.

وقد نظم اليونان المذاهب، وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات، ولكن أساليب البحث في دأب وأناة، وجميع المعلومات الإيجابية وتركيزها، والمناهج التفصيلية للعلم، والملاحظة الدقيقة المستمرة، والبحث التجريبي كل ذلك كان غريبًا تمامًا عن المزاج اليوناني، أما ما ندعوه العلم فقد ظهر في أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة، ولطرق من الاستقصاء مستحدثة، من طرق التجربة والملاحظة والمقاييس، ولتطور الرياضيات إلى صورة لم يعرفها اليونان، وهذا الروح وتلك المناهج العلمية أدخلها العرب إلى العالم الأوربي".

ويقول أيضًا:

إن "روجر بيكون" درس اللغة العربية، والعلم العربي في مدرسة "إكسفورد" على خلفاء معلميه العرب في الأندلس، وليس لـ"روجر بيكون" ولا لسميه "فرنسيس بيكون" الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي، فلم يكن "روجر بيكون" إلا رسولًا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوروبا المسيحية، وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه للغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة.

<<  <   >  >>