الهجرة كالعجزة من الرجال والنساء، وكالولدان الذين لا يقدرون على الهجرة والسفر.
والإلزام بالهجرة يعني أن الوطن الحقيقي للمسلم هو الأرض التي يستطيع أن يقيم فيها شرائع الإسلام وواجباته، وأن يبني فيها من الحضارة الإسلامية ما تمكنه من طاقاته.
وأما الأمر الثاني: وهو أن ميادين نشاطها غير محدودة في طائقة خاصة من مجالات الحياة، فيظهر جليًّا بتناولها كل ما في الكون من ميادين نشاط مادي.
فحينما كانت أوروبا تعاني من أزمة قيام حجب كثيفة من تقاليد دينية منحرفة عن أصول شريعة الله الحق، وكانت هذه الحجب تحجز عن الوصول إلى الحقائق الكونية المتطلعين إلى البحث العلمي بغية اكتشاف ما في الكون من حقائق وقوانين وطبائع كيميائية وفيزيائية وجغرافية وفلكية، وقوى كمينة في الأرض، وآفاق السماء، كانت العواصم الإسلامية تعج بالعلماء الباحثين في مختلف ميادين الكون المادية، دون أن يجد هؤلاء العلماء الباحثون من أسس الحضارة الإسلامية ما يصدهم عن متابعة بحوثهم، بل يجدون أنهم مسئولون في نصوص الشريعة الإسلامية عن متابعة البحث والاستنباط، والاختيار والتجربة، واكتشاف ما في الكون من أسرار وعلوم وحقائق ونظم ربانية، واستخدام ما أودع الله فيه من طاقات ضمن حدود خير الإنسان.
ومن اللطائف أنهم إذا اهتدوا مثلًا بالبحث والتأمل والتجربة والاختيار والمتابعة إلى علوم طبية واسعة وأدركوا فيها بديع صنع الله، وإتقانه لكل شيء خلقه، قالوا: هذه ثمرة من ثمرات حكمة الله فيما خلق من أمراض في الحياة يتعرض إليها الإنسان فتدفعه إلى البحث عن سبب العلة وصفاتها وأفضل علاج لها.
وبهذا الفهم اللطيف وأمثاله استطاع بناة الحضارة الإسلامية أن يرتقوا في درجات الكمال العلمي والعملي، وأن يحسنوا تصور حكمة الله الشاملة، وأن تطمئن قلوبهم بالإيمان، ويزيد انشراح صدورهم للإسلام.