للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا المنهج كانوا يسيرون في مختلف أنواع النشاط المادي، بحثا وتأملًا واختبارًا وتجربة، وكانوا في هذا أساتذة منشئي الحضارة الأوروبية المادية، التي يقطف العالم اليوم ثمارها المدهشة، وذلك قبل حقبة الركود التي أصيب بها المسلمون، والتي وليتها حقب التقهقر والتراجع الحضاري، بسبب هجر أسس الحضارة الإسلامية، وعبور مفاهيم فاسدة إلى المجتمعات الإسلامية، وإلقاء السمع لوساوس أعداء الإسلام.

نتائج تطبيقية لانفتاح الحدود المادية:

إن المؤرخين والباحثين في مظاهر الحضارة التي بناها المسلمون إبان عصور ازدهار الإسلام، لتتدفق إليهم كثرة كاثرة من الأمثلة التاريخية، التي تقدم شهادتها المادية الدالة على أن من عناصر الحضارة الإسلامية الكبرى انفتاح الحدود المادية أمام بناتها، ومن أجل ذلك كانت ميادين نشاطهم غير محدودة من طائفة خاصة من المجالات، بل كانت شاملة لكل ما في الكون من ميادين نشاط مادي علمي وتطبيقي.

قال "درابر" في كتاب "تاريخ الارتقاء العقلي في أوروبا"١:

"من موجب الأسف أن الأدب الأوروبي حاول أن ينسينا واجباتنا العلمية نحو المسلمين، وقد حان الوقت الذي ينبغي لنا فيه أن نعرفهم، إن قلة الإنصاف المبنية على الأحقاد الدينية وعلى المنهجية القومية لا تدوم أبد الدهر".

وجاء في "التاريخ العام" لـ"لافيس ورامبو"٢.

"إذا وجب أن يذكر لكل واحد قسطه من العمل فلا يسع المنصف أن ينكر أن قسط العرب "المسلمين" منه كان أعظم من قسط غيرهم، فلم يكونوا واسطة نقلت إلى الشعوب الجاهلية في إفريقية وآسيا وأوروبا اللاتينية معارف الشرق الأدنى والأقصى وصنائعه واختراعاته، بل أحسنوا استخدام المواد المبعثرة، التي


١ نقلًا عن الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي.
٢ نقلًا عن المصدر السابق.

<<  <   >  >>