للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عوارض النسيان، قال تعالى يخاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في سورة "طه: ٢٠ مصحف/ ٤٥ نزول":

{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} .

ففي توجيه الله رسوله أن يتأنى بتلقي القرآن الذي ينزل عليه، ويحفظه على رؤية، عرض له شاهدًا من احتمالات النسيان التي قد تعرض للإنسان مهما بلغت به قوة الذاكرة، فهذا آدم عليه السلام الذي علمه الله الأسماء كلها، فأثبت جدارة تامة في حفظها، وأدى ما حفظه ساعة الامتحان على مشهد من الملائكة أداء حسنًا، كوفئ عليه بالاحترام والتقدير؛ إذ أمر الله الملائكة بالسجود له، هذا الإنسان الأول قوي الذاكرة، عرضت له عوارض النسيان، ولم يجد الله له عزمًا مستمرًا يمكنه من حفظه ما عهد به إليه.

وبهذا نلاحظ مبلغ مراعاة أسس الإسلام جانب الواقعية في الإنسان؛ إذ أعفته من المؤاخذة على النسيان الذي لا يملك دفعه، باعتباره أثرًا من آثار طبيعته المفطور عليها، وذلك بشرط أن لا يكون ناشئًا عن سبب من إرادة الإنسان نفسه.

القسم الثاني: وهو القسم الذي لا يعذر به صاحبه من قسمي النسيان، هو النسيان الذي لا تفرضه حالة الإنسان الفطرية الطبيعية، وإنما هو ظاهرة من ظواهر الانحراف النفسي المقصود، أو أثر من آثاره، أو ثمرة من ثمرات التهاون والإهمال والتقصير وعدم المبالاة.

ويبدو هذا القسم في نسيان الكليات الدينية الكبرى، التي ليس من شأن أي إنسان سوي أن ينساها ويستمر على ذلك.

ومن أمثلة هذا النسيان نسيان الله جل وعلا، ونسيان الدار الآخرة، وما فيها من حساب وجزاء، والاستمرار على نسيان الفروض والواجبات الدينية.

وذلك لأن المذكرات بهذه الحقائق العظمى ونظائرها منبثة في الوجود كله، فهي إن نسيت في ساعات فلا يمكن أن يستمر نسيانها أمدًا طويلًا، أو مدى الحياة.

<<  <   >  >>