للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء الظالمون ذُكروا بآيات الله فأعرضوا عنها، ولما أعرضوا عنها انغمسوا في المعاصي، ولم يهتموا لعاقبتها، فأمست السيئات كبارها وصغارها تمر في حياتهم دون أن يلقوا لها بالًا، فإذا مرت نسوها مع ما ينسونه في حياتهم من محقرات الأمور، أو نسوا آثارها وعقوباتها عند الله، ولم يحاسبوا أنفسهم عليها، فإذا جاء وقت الحساب نشرت عليهم صحائفهم التي تبين لهم كل ما كانوا فعلوا ونسوه، ثم يحاسبون حسابًا عسيرًا.

هـ- وقوله تعالى في سورة "الزمر: ٣٩ مصحف/ ٥٩ نزول":

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} .

وإنما كان النسيان في مثل هذا المقام محلًّا للمؤاخذة؛ لأنه ليس من شأن الإنسان السوي إذا مسه الضر فالتجأ إلى الله منيبًا إليه كيما يزيل الضر عنه أن ينسى ربه بعد أن يستجيب له، ويفتح له أبواب النعمة، وأن ينسى ما كان عليه من قبل، من ضرورة التجائه إلى ربه.

وقد يكون المراد بالنسيان هنا معنى الترك.

ونلاحظ في الأعراف الإنسانية أن الناس لا يعذر بعضهم بعضًا في نسيان من هذا القبيل.

ويدخل في قسم النسيان الذي لا يعذر به صاحبه كل نسيان ناشئ عن التهاون والإهمال والتقصير وعدم المبالاة، وذلك لأن في استطاعة الإنسان أن يدفع عن نفسه مسببات هذا النسيان بما يقدر عليه من اهتمام بالواجبات الملقاة على عاتقه، واتخاذ الوسائل للتذكر، فإذا قصر بما هو ميسور له من ذلك فأهمله، ولم يكترث له، فنتج عن إهماله نسيان ما هو مطلوب منه لذاتهن فإن نسيانه هذا لا يعفيه من المسئولية، ولا يسقط عنه المؤاخذة.

ومن أمثلة هذا النسيان أن ينسى المسلم الصلوات المفروضة عدة أيام متواليات؛ إذ لو لم يكن مهملًا متهاونًا غير مكترث لعبادة ربه، لم تعرض له

<<  <   >  >>