للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عوارض النسيان هذا، كيف ينسى وما في الأحداث الكونية والنفسية من مذكرات بها كثيرة متتابعة.

ومن أمثلة هذا النسيان أيضًا أن ينسى السجان أحد سجنائه في غرفة مقفلة، ثم يعود إليه بعد أن مات صبرًا، فإنه لا يعذر بمثل هذا النسيان إذا كان ناشئًا عن تهاون وتقصير، وهل كان ينسى لو أن السجين ولده، أو أحد أقربائه وأحبائه.

ولما كان هذا النوع من النسيان الذي يجلبه التهاون والتقصير وعدم المبالاة ومجالسة الغافلين، من اليسير على الإنسان أن يدفعه عنه، وذلك بدفع مسبباته، واتخاذ الوسائل المذكورة، مما هو بين يدي الاستطاعة الإنسانية بشكل عام، نهى الله عنه في مناسبات متعددات نهيًا مباشرًا أو غير مباشر.

فمن ذلك النصوص التالية:

أ- قول الله تعالى في مجال الترغيب بالعفو عن مطالبة من طلق قبل المس بنصف المهر المفروض في سورة "البقرة: ٢ مصحف/ ٨٧ نزول".

{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .

ففي هذا النهي عن النسيان تذكير بالفضل بين المسلمين من جهة، وتوجيه للنظر إلى ما يطرد عن الفكر عوامل النسيان، وإشعار بأن ما فضل الله به الرجال على النساء يقتضي من الرجال أن يعفوا، فلا يُطالبوا بنصف المهر الذي بذلوه لمطلقاتهم قبل الدخول بهن.

ب- وقوله تعالى في سورة "البقرة: ٢ مصحف/ ٨٧ نزول":

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .

وفي هذا النص توبيخ من الله لأحبار اليهود على نسيانهم أحوالهم الخاصة، وهم يأمرون الناس بالبر، وذلك لأن أمرهم الناس بالبر من أقوى الدواعي المذكرة لهم بأنفسهم، ولكن عوامل نفسية منحرفة صرفتهم عن ذلك، وجعلتهم ينظرون إلى البر من زاوية عنصريتهم الضيقة، ذات الأنانية المغرقة.

وقد يراد بالنسيان في هذه الآية معنى الترك، أي: أتأمرون الناس بالبر وتتركون أنفسكم؟!!

<<  <   >  >>