المنطقية البحت، مع إيجاز بديع، ونعتمد على الاكتفاء بعرض المجردات الفكرية، دون استخدام وسائل حسية، ودون مرور في طرق المشاعر الوجدانية.
ووجدنا طائفة أخرى من النصوص تخاطب بأسلوبها ومضمونها العلمي فئة متوسطي الذكاء؛ إذ تمزج المناقشات والأدلة العقلية باللمسات الوجدانية، والخطابيات المثيرة للمشاعر الإنسانية، كمشاعر الطمع والخوف، مع استخدام الوسائل الحسية لذلك.
ووجدنا طائفة ثالثة منها تخاطب بأسلوبها ومضونها العلمي الفئة الدنيا من الناس، وذلك إذ تبتعد قدر الإمكان عن عرض المجردات الفكرية، وإذ تجعل معظم اعتمادها على ما يثير المخاوف والمطامع من جهة، وعلى ما يلفت النظر إلى الوسائل الحسية والتجريبية من جهة أخرى.
والخطة العامة لكل ذلك يشير إليها قول الله تعالى في سورة "الإسراء: ١٧ مصحف/ ٥٠ نزول":
فالفئة الممتازة من الناس الذين تكفيهم الهداية للتي هي أقوم في الحقائق العلمية، والحكام الشرعية، يجدون هذه الهداية في القرآن، والفئة الأخرى من الناس المحكومة لسلطان المطامع يجدون البشريات بالأجر العظيم في القرآن تجذبهم إلى سبيل الرشاد، والفئة الثالثة من الناس المحكومة لسلطان المخاوف يجدون في القرآن المنذرات بالعذاب الأليم تردهم عن سبل الضلالة.
ومن الجدير بالملاحظة أن القرآن لفت أنظار الدهماء من الناس إلى معرفة الحقائق الدينية عن طريق دلائلها الكونية القريبة، التي لا تحتاج أكثر من تذكير بها، وراعى حالتهم الفكرية، غير العاملة في تصيد الدلائل وعقلها، وإدراك الحقائق بها، فهم بحاجة إلى من يذكرهم وينبههم عن طريق أسماعهم، ويكشف لهم اقتران الحقائق الدينية بأدلتها الكونية التي يشاهدونها، في أنفسهم وفيما حولهم من الأدلة القريبة التي لا تتطلب جهدًا فكريًّا فوق استطاعتهم المعتادة.