أما الفئة المتعلقة من الناس، وهم الذين تعمل أفكارهم عادة في تصيد الدلائل التي يشاهدونها، وفي عقلها وربطها بما تدل عليه من حقائق، فقد لفت القرآن أنظارهم إلى إدراك الحقائق التي تحتاج إلى شيء من التعقل والتأمل، ووضع أمامهم مجالات فكرية أرقى مستوى من المجالات التي وضعها أمام الدهماء.
ثم ارتقى القرآن إلى مستوى ثالث من مستويات الناس، ألا وهو مستوى العلماء الباحثين عن دقائق الأمور، القادرين على الغوص إلى أعماق من المعرفة، لا يغوص إليها غيرهم في الأحوال العادية، فوضع أمام هؤلاء مجالات فكرية واسعة، تحتاج إلى بحث عميق، وتتبع دقيق، ليصلوا عن طريق البحث والتتبع إلى إدراك الحقائق الدينية إدراكًا يتناسب مع ما وهبهم الله من قدرات بحث، وتفكر دائم، واستنباط.
ونستطيع أن نستدل لذلك بأدلة قرآنية كثيرة:
ففي لفت نظر الدهماء من الناس بشكل عام إلى آيات الله في الكون عرض القرآن أدلة واضحة، لا تحتاج إلى تفكير كثير، وبين أن فيها دلائل لقوم يسمعون، إشارة إلى أن لفت نظرهم إليها بالقول كاف لأن يجعلهم يفهمونها، فليست هي من القضايا الصعبة حتى تحتاج إلى جهد عقلي، وليست من العويصات حتى تحتاج إلى تفكر وبحث متتابعين، مما لا يصبر عليه إلا العلماء الباحثون، وإنما هي من البدهيات، أو دلائل قريبة منها.
فمن ذلك قول الله تعالى في سورة "الروم: ٣٠ مصحف/ ٨٤ نزول":