فنوم الناس بالليل والنهار، وحاجتهم إليه، وعمل الناس لاكتساب الرزق، يبتغونه من فضل الله، وحاجتهم إليه من الأمور البدهية التي يشترك في إدراكها الناس جميعًا، مهما تنازلت مستوياتهم الفكرية، فلا يحتاج التبصر فيها إلى أكثر من لفت النظر بالقول، وذلك كاف في أن يشعروا بعجزهم، ويشعروا بقدرة الله وحكمته، الذي خلق فيهم الحاجة، ويسر لهم وسائل قضائها.
وكون الليل نعمة من الله ليسكن الناس فيه، وكون النهار مضيئًا ليعمل الناس فيه، ويعملوا في كسب أرزاقهم أمران واضحان بدهيان، لا يحتاج إدراكهما إلا إلى لفت النظر إليهما بالقول.
فالذين يسمعون ممن توافرت فيهم شروط التكليف سيدركون ذلك، دون إجهاد عقلي، ولذلك ذيل الله الآيتين السابقتين بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} .
وفي لفت أنظار الفئة الوسطى من الناس، وهي فئة المتعقلين، الذين يهتمون عادة بتصيد الأدلة وعقلها، وربطها بما تدل عليه، عرض القرآن أدلة تحتاج إلى قدر مناسب من عقل الأمور، وفهم ارتباطاتها.
ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى في سورة "الرعد: ١٣ مصحف/ ٩٦ نزول":
فمستوى إدراك القطع المتجاورات من الأرض، والجنات، وما فيها من أشجار مختلفة الصفات، ومختلفة الثمرات إذ بعضها أفضل من بعض في الأكل، مع أنها تستقي بماء واحد، أمر يحتاج إلى تأمل وراء البديهة، وإلى تعقل مناسب، ولا يكفي فيه مجرد لفت النظر إليه بالقول، بل لا بد فيه من التأمل والتعقل، بضبط شرود النفس مع الأهواء، ولذلك ذيل الله الآية بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} .