للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي لفت أنظار الفئة العليا من الناس، وهي فئة المتفكرين، الباحثين العلميين، للحقائق، واستنباطها من الأعماق، عن طريق أدلتها الدقيقة، عرض القرآن أدلة يحتاج استقصاؤها واستيعاب دقائقها إلى بحث وتتبع، وجهد فكري كثير، ونسب عالية من القدرات الفكرية.

ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى في سورة "الرعد: ١٣ مصحف/ ٩٦ نزول":

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

فمستوى البحث في الأرض، وكيفية تكوينها، وفي الجبال وسر وجودها، وفي الأنهار ومسالك ينابيعها ومصادرها ومواردها، وفي الثمرات وكون كل منها مؤلفًا من زوجين اثنين مذكر ومؤنث، وفي النظام الدقيق الذي يغشي الله فيه الليل النهار، مستوى دقيق لا يحسنه ولا يستطيعه إلا الباحثون العلميون الذين يتابعون البحث والتفكر والاستنباط، ولذلك ذيل الله الآية بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

ومن أمثلة مراعاة الإسلام مستويات الناس الفكرية في بياناته التعليمية، نص قرآني في سورة "النحل: ١٦ مصحف/ ٧٠ نزول"، جمع الله فيه طائفة من الأدلة الكونية، ذات مستويات ثلاثة، تناسب مستويات فئات الناس الثلاث، وهي فئة الدهماء بشكل عام، ثم فئة المتعلقين، ثم فئة المتفكرين الباحثين العلميين، المتتبعين دقائق المعرفة.

وختمت المجموعة الأولى منها بقول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} وهم الذين يناسبهم أن توضع أمامهم أدلة قريبة، لا يحتاج إدراكها وفهمها إلى جهد فكري، بل يكفي لإدراكها التذكير القولي بها لبداهتها، أو لكونها قريبة من الأمور البدهية.

وختمت المجموعة الثانية منها بقول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} . وهم الذين تعمل أفكارهم عادة في تصيد الأدلة وعقلها، وربطها بما تدل عليه من حقائق، وهؤلاء يناسبهم أن تلفت أنظارهم إلى أدلة ذات مستوى

<<  <   >  >>