متوسط، مما يتنبه إليه عادة المتعلقون، الذين يلذ لهم فهم ارتباط الأمور بعضها ببعض، ويحلو لهم ربط الأدلة بما تدل عليه من حقائق.
وحتمت المجموعة الثالثة منها بقول الله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وهم الباحثون العلميون، الذين يتفكرون باستمرار في ظواهر الأشياء، ويغوضون إلى بواطنها، ويستنبطون من أعماق المباحث الفكرية حقائق المعرفة.
أما النص القرآني من سورة "النحل: ١٦ مصحف/ ٧٠ نزول" الذي جمع هذه المستويات الثلاثة، مع التدرج فيها من الأدنى إلى الأعلى فهو قول الله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
ففي المستوى الأول يلفت النص أنظار قوم يسمعون إلى الأدلة الكونية التي يحتوي عليها، إنزال الماء من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، ويلاحظ أن إدراك هذه الظاهرة الكونية من الأمور التي لا يحتاج البحث فيها إلى جهد عقلي، بل يكفي فيها التذكير بالقول، حتى يدرك السامعون ما تحتوي عليه من أدلة كونية تدل على قدرة الخالق العظيم وحكمته.
وفي المستوى الأوسط يلفت النص أنظار قوم يعقلون إلى الأدلة الكونية التي يحتوي عليها ما يخلقه الله في بطون النعام من اللبن الخالص السائغ للشاربين، يخرج من بين صنفين مختلفين اختلافًا شديدًا هما الفرث والدم المستقذران اللذان يحرم أكلهما، وإلى الأدلة التي يحتوي عليها خروج صنفين مختلفين اختلافًا شديدًا هما السكر الذي يحرم شربه، والرزق الحسن الطيب، وكل منهما يخرج من مصدر واحد، هو ثمرات كل من النخيل والأعناب،