ويلاحظ أن إدراك هذه الظواهر الكونية من الأمور التي تحتاج إلى تعقل وتبصر، لما فيها من حاجة إلى فهم الأصناف المختلفة المتباينة في خصائصها، وكيفية استخلاص صنف آخر منها، كاستخلاص اللبن السائغ من بين فرث ودم، أو استخلاصها من صنف آخر، كاستخلاص السكر والرزق الحسن من ثمرات كل من النخيل والأعناب.
وفي المستوى الأعلى يلفت النص أنظار قوم يتفكرون إلى الأدلة الكونية التي لا يدركها إدراكًا تامًّا إلا الباحثون العلميون؛ إذ يلفت أنظارهم إلى دراسة مملكة النحل، دراسة مستفيضة، تتناول بحث سر الغريزة التي خلقها الله في النخل، وسر الإلهام الرباني الذي ألقاه الله إليها، فطفقت تتخذ بيوتها ذات الهندسة الرائعة، في الجبال والشجر وما يعرش الناس. وتتناول أيضًا بحث رحلاتها اليومية، لتأكل من كل الثمرات، وتمتص رحيق الأزهار المختلفة، وتسلك السبل التي ذللها الله لها. ثم بحث صناعة العسل في بطونها، وبحث أصنافه وألوانه، وبحث خصائصه التي فيها شفاء للناس. وبدهي أن إدراك هذه الآيات الكونية في مملكة النحل مما يحتاج إلى بحث عملي دقيق، وتفكر دائب. واختبارات وتجارب متتابعة، وهذه إنما يقوم بها الباحثون العلميون المتفكرون.
رد الأمور إلى أهل الكفايات:
ولما كان في الناس متفكرون باحثون عن الحقائق في المجالات العلمية البحت، ومتفكرون قادرون على تدبير الأمور، وتخطيط الخطط الحكيمة الرشيدة، في الأمور الإدارية، أو الأمور العسكرية، أو الشئون السياسية، في الأمن أو الخوف، في السلم أو الحرب، كان من مقتضيات الواقعية إرشاد الجماهير العامة إلى رد أمورهم ذات الوجوه المختلفة التي تحتاج تأملًا دقيقًا وبصرًا نافذًا إلى جماعة أولي الأمر منهم، القادرين على حل المشكلات، والتبصر السديد في المعضلات، والتوجيه إلى أرشد الآراء وأسدها، وذلك ليهتدي بعض هؤلاء إلى وجه الصواب عن طريق البحث والتفكر والاستنباط، قال الله تعالى في سورة "النساء: ٤ مصحف/ ٩٢ نزول":