للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للصواب، والإرادة التي تمثل سلطة الحكم في داخله، ولا تكون هذه السلطة حكيمة ما لم تسترشد بالعقل، وما لم تتقيد بنصائحه ووصاياه.

ثم أنزل الله الشرائع هداية للعقول، وإرشادًا لها حتى لا تضل عن سواء السبيل.

وبهذه الأمور مجتمعة تمت الشروط الملائمة لابتلاء إرادة الإنسان في هذه الحياة.

ولكن هذا الكائن العجيب الذي تتجاذبه قوى متناقصة، لا بد أن يكون عرضة لضعف الإرادة أمام أواسر الأهواء والشهوات، مع اختلاف النسبة في ذلك بين أفراد الناس شدة وضعفًا، فمنهم السابقون في الخيرات الذين تقوى إرادتهم فتكثر صالحاتهم، وتندر فلتات مخالفاتهم وسيئاتهم، ومنهم المتذبذبون بين الاستقامة والانحراف، الذين يخلطون عملًا صالحًا وآخر سيئًا، ومنهم الظالمون لنفوسهم الذين استخذت إرادتهم وضعفت ضعفًا كليًّا، فسقطوا في الانحراف، وانغمسوا في الموبقات، أما المعصومون من البشر عن المخالفات فنماذج صانها الله ليجعلها قدوة حسنة للناس.

وإعلانًا عن هذا الواقع الذي عليه الإنسان بصفة عامة: قال الله تعالى سورة "النساء: ٤ مصحف/ ٩٢ نزول":

{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} .

وقص علينا قصة المخالفة الأولى للإنسانين الأولين آدم وزوجه؛ إذ نهاهما الله عن أن يأكلا من شجرة معينة، بعد أن أباح لهما أن يأكلا من كل ما في الجنة سواها، فأكلا منها وعصيا، متأثرين في ضعفهما البشري بوساوس الشيطان، وأخرجهما الله من الجنة معاقبة لهما، وأهبطهما إلى الأرض، وبين لذريتهما أن الدوافع إلى المعصية منتقلة إليهم بالوراثة، وأن عداوة الشيطان تلاحقهم بالوساوس والإغواء، لتحجب عنهم الجنة التي تدعوهم إلى نفسها من طريق طاعة الله، وذلك بحسب وعد الله، إنه لا يخلف الميعاد.

<<  <   >  >>