للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت الخطيئة في حياة الإنسان من الأمور الواقعية التي يعسر عليه جدًّا أن يصون نفسه عنها مدى حياته، ما لم يكن معصومًا بعصمة الله، كانت الواقعية في شريعة الله لعباده تستدعي أن من أخرجته الخطيئة عن طريق الجنة، ردته إليه حبال التوبة والاستغفار من جهته، المعقودة بحبال العفو والغفران من جهة الرحمن.

ولكيلا تظل صورة الخطيئة القبيحة مائلة في نفس الإنسان جعل الله الشيطان للإنسان قرينًا يلصق به وجهًا من وجهي الصورة القبيحة للخطيئة، ليشعر الإنسان بأن القبح في الحياة ليس من شأنه، وإنما هو بتأثير وساوس قرينه الملازم له، وهذا الشعور من شأنه أن يدفعه إلى الكمال، والتخلص من الخطايا التي يوسوس له بها عدوه وعدو أبويه من قبل، ومن شأنه أن ينسيه خطيئته إذا هو استغفر الله وتاب إليه، واستعاذ بالله من الشيطان، وألصق به مسئولية الإغواء.

وقد عرفنا في أصول التربية أن من وسائل الإصلاح أن نفتح لمن نربيه أبواب العذر إذا ارتكب الخطيئة ولو عاقبناه عليها، وذلك حتى نبقي له مجالًا يحتفظ فيه بصورة الكمال التي يريد أن يتصورها الناس فيه، وعرفنا أن من الخطأ في التربية أن نسد على من نربيه باب الاعتذار، ونشعره بأنه مهين، قد مارس الخطيئة عن عزم وتصميم وخبث في نفسه، وذلك لأن هذا الأسلوب من التربية المجانبة للصواب، من شأنه أن يغرس في الإنسان الوقاحة وعدم المبالاة، والإصرار على متباعة ارتكاب السيئات، فمن يفتضح بفعل المنكر ويعرف به بين الناس يكابر عليه بوقاحة لا استحياء معها، وفي الحديث الصحيح:

"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تتسح فاصنع ما شئت". رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذه النظرة الواقعية من مختلف جوانبها قد أعلنتها النصوص الإسلامية في أكثر المناسبات التي تضع الإنسان موضع المسئولية في الحياة.

<<  <   >  >>