للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أفضل ما يمكن تصوره ليكون أساسًا لبناء أرقى حضارة، لهذا الإنسان المزود بالعقل الذي من شأنه أن يتطلع إلى المثاليات ويبحث عنها، والمزود بطاقات مادية ومعنوية تقف به عند حدود لا يستطيع تجاوزها ولا الزيادة عليها، والمزود بغرائز وشهوات تنبح في داخله بإلحاح لتحقيق مطالبها.

وأية فلسفة تحاول إصلاح هذا الكائن المركب من هذه العناصر الثلاثة على أساس تلبية واحد منها فقط، أو اثنين وإهمال سائرها فإنها فلسفة محكوم عليها بالفشل الذريع، وستضع الإنسانية في طريق الانحدار المهلك، بدل أن تأخذ بيدها صاعدة في سلم الكمال الإنساني.

أما الفلسفة الإسلامية القائمة على الدعوة المثالية، والتطبيقات الواقعية، والوسائل المنسجمة مع الخصائص الإنسانية، فهي الفلسفة الراقية، التي استطاع بها الإسلام أن يقبض على نواصي شعوب مختلفة اللغات، وقوميات متباينة الاتجاهات، عن أجيال وقرون، وأن يسير بها متآخية متوادة في طريق السعادة الإنسانية، وأن يدفع بها إلى الصعود المتتابع في سلم الحضارة المثلى.

وهذا ما أذهل أعداء الإسلام أعمتهم عصبياتهم الدينية والقومية، وأثار حقدهم وحسدهم، ولذلك أخذوا في تهديم الأسس التي كان بها للمسلمين ذلك المجد التليد.

وأعداء الإسلام يخشون أن يعود المسلمون إلى الاستمساك بالأسس الإسلامية الصحيحة، فيعود لهم مجدهم السليب.

وكل مثالية يدعيها أعداء الإسلام إنما هي مثالية مزورة، غايتهم منها التضليل والخداع، ولو كانت لهم مثاليات حقيقية صادقة قابلة للتطبيق الإنساني لرأي الناس أثرها في السلم أو في الحرب، ولكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يسجلوا في تاريخهم الطويل إلا صورة المادية المفرطة، المرتبطة بالأنانيات الفردية، أو العنصرية، أو العصبية المذهبية.

<<  <   >  >>