ومن الجدليات التي يثيرها فريق من أعداء الإسلام مزاعمهم التي يضللون بها أبناء المسلمين، إذ يقولون:
"إن الإسلام تعاليم وأنظمة مثالية غير ممكنة التطبيق، وإن حياة الإنسان الواقعية تستدعي أنظمة وتعاليم، واقعية ممكنة التطبيق".
ثم يبنون على هذه المقدمة الكاذبة فيقولون:
"وبما أن الإسلام شيء مثالي غير واقعي فإنه غير صالح لأن يكون دستور حياة الناس، وما على الأجيال المسلمة إلا أن تسعى وراء أنظمة وضعية واقعية مستفادة من التجارب والاختبارات الإنسانية".
هذا ما يقولون، وقد تبين لنا بالبحث المستفيض حول المثالية والواقعية في أسس الإسلام الحضارية فيما قدمناه من بحوث أن المثالية في الإسلام هي مثالية وواقعية معًا؛ لأنها مثالية ممكنة التطبيق، وذلك لأن المثالية فيه منحصرة في العقائد والأهداف والغايات، والمثالية في هذه الأمور لا تتعارض مع الواقعية بحال من الأحوال؛ لأنها ممكنة التطبيق، فليس من العسير على الإنسان أن يعتقد العقيدة المثالية، وليس من العسير عليه أن يجعل غايته من أعماله العبادية أو غيرها غاية مثالية، وليس من الصعب عليه أن يجعل الكمال في كل أمر من أموره مطلبًا أسمى يسعى إليه، دون أن يكون ملزمًا به لدى التطبيق العملي.
أما التطبيق العملي فقد تبين لنا بالبحث أيضًا أن أسس الإسلام الحضارية فيه ملتزمة جانب الواقعية، التزامًا أكثر تسامحًا من أي نظام في العالم معتمد على الأسس الواقعية.
ولدى المقارنة تتجلى هذه الحقيقة للباحثين تجليًا يدمغ كل مضلل متلاعب بكل زور من قول أو فكر.
وليس من الواقعية في شيء أن يترك المجرمون والشاذون في الأرض يعيثون فسادًا وخرابًا، وينشرون الآلام الكثيرة مجاراة لواقعيتهم المنحرفة، وإن أي تفكير يحاول أن يبرر الجرائم وأنواع الشذوذ المفسدة في الأرض، ضمن