لك به علم فقد عطلت أدوات المعرفة التي لديك، لذلك فلا بد أن تكون هذه الأدوات مسئولة عن تأدية وظائفها الفطرية، أي: لا بد أن تكون أنت المسئول أيها الإنسان؛ لأن هذه الأدوات جزء من كيانك.
فيقال للسمع: ألم تأتك أنباء المرسلين؟ ألم تسمع كلام الله؟ ألم ترشدك النصائح والنذر؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من وساوس الشياطين، ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا.
ويقال للبصر: ألم تشاهد آيات الله في خلق الإنسان؟ وآياته في الأرض؟ وآياته في السماء؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من مغربات الحياة الدنيا؟ ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا.
ويقال للفؤاد: ألم تستنتج من كل هذه الواردات التي وردت إليك عن طريق السمع والبصر وسائر الحواس من دلائل وجود الله وقدرته وعظمته وحكمته وعدله ما يكفيك للإيمان به ومراقبته، والقيام بواجب شكره، وإتباع رسله، والالتزام بشريعته التي أنزلها لعباده؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من ضلالات الأهواء؟ ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا التي أهملها فلم يبحث فيها على مقدار استطاعته، ليكتشف خصائص الأشياء وصفاتها، وكوامن طاقاتها، بغية الانتفاع بها في خيره وخير الإنسانية جمعاء، وكان جزاؤه في الدنيا حرمانه من خيراتها.
وهكذا وقفت نصوص الشريعة الإسلامية موقف التحريض الشديد على المعرفة، وإلقاء كامل المسئولية على الإنسان إذا هو اتبع ما ليس له به علم.