المسلك الثالث: مسلك الخبر الذي لا يبلغ مبلغ القطيعة، إلا أن احتمال الصدق فيه أقوى وأرجح من احتمال الكذب، كأن يروي الخبر رجل واحد صادق أو رجلان أو أكثر دون الحد الذي يفيد القطع والجزم بيقين، والخبر من هذا القبيل يفيد غلبة الظن بأنه حق وصدق، إلا أن غلبة الظن هذه لا تنفي احتمال الخطأ أو الكذب في الخبر نفيًا كليًّا، بل تجعله احتمالًا ضعيفًا.
ومن أمثلة ذلك شهادة شاهدين عدلين بحق من الحقوق المالية، فإن هذه الشهادة لا تفيد علمًا يقينيًّا قاطعًا بثبوت الحق المشهود به، ولكنها تفيد غلبة الظن، وغلبة الظن كافية لإثبات الحقوق بين الناس.
وبهذا البيان رأينا أن مسالك الظنون الراجحة لا توصل الإنسان إلى علم يقيني، وإنما قد توصله إلى ظن راجح.
الطريق المزيف المرفوض:
وهو الطريق الذي يسلك مسالك الشكوك والأوهام والتخيلات والتقاليد العمياء، وهذا الطريق بكل مسالكه لا يفيد علمًا يقينيًَّا ولا ظنًّا راجحًا، ولكنه طريق يطرح بين يدي العقل فروضًا واحتمالات قابلة للبحث والتتبع وتجميع الأدلة حولها، وللعقل بعد البحث أن يجزم برفضها رفضًا نهائيًّا، أو يحكم بترجيح غيرها عليها، أو يتركها قيد البحث والمتابعة، ولن ترقى هذه الفروض والاحتمالات عن واقعها هذا ما لم تدعمها أدلة من مسالك اليقين، أو أدلة من مسالك الظن الراجح.
وكثير من الجهلة بطرق اكتساب المعارف والعلوم يسمحون لعقولهم بأن تتقبل الشكوك والأوهام والتخيلات والتقاليد العمياء، وتدخلها ضمن معارفها وعلومها الثابتة.
ولهذا الطريق مسالك مشابهة لمسالك طريقي اليقين والظن الراجح، وأنواع أخرى زائدة عليها تأتي من التوهم والتخيل المحضين، لكنها جميعًا لا تفيد علمًا