منهم عن تدبر الأمر بنفسه، والتفكر فيه اعتمادًا على رأي الكثرة المندفعة، ولدى التمحيص الدقيق، والبحث المستقصي، يتبين أن الفكرة ناشئة في أساسها عن وهم باطل سيطر على طائفة قليلة، فسرى وباؤه إلى الجماهير المأخذوة بعاطفة من العواطف، أو انفعال من الانفعالات، أو يتبين أن أصل الفكرة من وضع كذاب مضلل له غاية خبيثة، لا تتحقق إلا بسوق جماهير الناس في طريق معين.
ومن الأمثلة أيضًا تعلل المشركين بمشيئة الله للإيهام بأن ما هم عليه من شرك، وحكم بغير ما أنزل الله حق، فهم بين الكذب المختلق والظن المرجوح الذي لا دليل يدعمه، قال الله تعالى في سورة "الأنعام: ٦ مصحف/ ٥٥ نزول":
فقد جعل الله سبحانه مقالة المشركين:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} كذبًا على الحقيقة، ومن أجل ذلك. قال الله سبحانه عقبها:{ذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} .
ثم أمر الله الرسول بأن يطالبهم بالدليل على ما يفترون على الله فقال له:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} .
أي: فأنتم إما متوهمون أو تكذبون على الله، وذلك لأنهم يقصدون من قولهم:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} أن إشراكهم إنما كان بمشيئة الله ورضاه، ومن أجل ذلك جعلهم الله كذابين في هذه المقالة؛ إذ لا دليل عليها من العقل، ولا دليل عليها من الشرع.
والأمثلة القرآنية على الظنون الضعيفة المرفوضة كثيرة، ونسبتها أكثر من نسبة النصوص التي جاءت عبارة الظن فيها دالة على معنى الرجحان.