للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثاني: أن الله سيؤاخذه ويعاقبه إذا هو اصطفى الأغنياء والشرفاء وطرد الفقراء والضعفاء، فمن ينصره، ويدفع عقاب الله عنه إذا هو فعل شيئًا من ذلك؟

ثالثًا: وأما تعللهم بأنهم لم يروا لنوح ومن آمنوا معه ميزات دنيوية فضلهم الله بها بسبب إيمانهم على الذين لم يؤمنوا، كالمال أو الجاه أو الخيرات الكثيرات؛ إذ قاموا: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} فقد رد نوح عليه بقوله: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} .

ويتضمن هذا الرد تعريفهم بأن الدنيا هي مجال الابتلاء العام، والمؤمنون والكافرون فيه على سواء، وليست خزائن الله بيده حتى يفيض منها على من آمن برسالته، وليست الدنيا في الأصل دار التفضيل بالمال والخيرات بحسب الإيمان وصالح الأعمال، فخزائن الله بيد الله يفيض منها على من يشاء من عباده، لحكمة الابتلاء التي يعلمها سبحانه، وعلم الغيب الذي يرتبط به تحصيل المنافع المادية الدنيوية هو أيضًا من خصائص الله، وليس مما وضعه الله بين يدي، حتى استعمله في جلب المنافع الدنيوية لمن آمن معي.

وبعد أن رد نوح صلوات الله عليه على أقوالهم بالحجج المقنعة أعلن إصراره على بشريته، فقال: {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} .

وأعلن تكريمه لمن آمن معه، وأنهم أهل لاستحقاق الخير من الله بسبب إيمانهم بقوله:

{وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} .

أي: فهو يجازيهم عنده بحسب ما في أنفسهم من خير، ويتضمن هذا أيضًا رفضه أن يستجيب لمطالبهم بطرد الفقراء والضعفاء الذين آمنوا معه.

ثم ختم نوح كل ذلك بقوله:

{إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} .

أي: لو ادعيت أن عندي خزائن الله أعطيكم منها إذا آمنتم بي، أو ادعيت

<<  <   >  >>