للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} .

ويتضمن هذا الرد الكريم ما يلي:

أ- أن الاصطفاء بالرسالة من خصائص الله، وأن الله يصطفي برحمته من يشاء، سواء كان من اصطفاه بشرًا أم غير بشر، فكيف تحجرون رحمة الله! وبأي دليل من العقل أو من الوحي؟ وهل يمتنع على الله أن يصطفي بشرًا رسولًا؟

ب- كيف تستطيعون رد البينة التي أكرمني الله بها، والبينة التي مكنه الله منها أمران:

- أمر فكري يتضمن الحقائق الدينية المؤيدة بالبراهين العقلية.

- وأمر مادي يتجلى بالمعجزة التي تشهد بصدقه.

وبهذا الرد المحكم أسقط لهم حجتهم الأولى.

ثانيًا: وأما تعللهم بوجود لفيف حوله قد آمنوا به واتبعوه ممن يرونهم أراذل قومهم يستجيبون للدعوات من غير تفكير ولا روية؛ إذ قالوا:

{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} .

فقد رد نوح عليه بقوله: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} .

ويتضمن لهذا الرد الكريم من نوح عليه السلام أمرين:

الأمر الأول: إنه ليس بطالب مال حتى يقرب إليه الأغنياء ويطرد الفقراء الذين يسمونهم أراذل بسبب فقرهم، وإنما هو مبلغ رسالة ربه للناس جميعًا أغنيائهم وفقرائهم، ومسئولية الفقراء نحو الإيمان والالتزام بشرائع الله كمسئولية الأغنياء سواء بسواء، فهم ملاقو ربهم أيضًا فسائلهم ومحاسبهم، ثم يختم حجته هذه بكشف جهل مجادليه بعناصر التكليف الرباني للناس، ويشعرهم بأن فروق الغنى والقوة والضعف، والشرف والضعة، لا تدخل في عناصر التكليف بالإيمان والتزام شرائع الله لعباده.

<<  <   >  >>