قد آمنوا به واتبعوه، ممن يرونهم أراذل قومهم، الذين يستجيبون للأمور من غير روية ودون تفكير أو تبصر.
ويحاولون أن يستدلوا على بطلان دعوته بكون هؤلاء الأراذل في نظرهم قد قبلوها، واستجابوا لها، وهؤلاء في تصورهم يندفعون وراء أفكارهم الأولية الغابرة، فيستجيبون للدعوات دون تأمل وتفكير.
والحقيقة أن عامل الكبر في نفوس الذين كفروا به هو الذي ساهم في صرفهم عن الإيمان، وأن استكبارهم هو الذي جعلهم يتعللون بهذه العلة الضعيفة، ولم يكن عند الذين استجابوا له إلا صفاء فطرتهم التي أرشدتهم إلى الحق فاتبعوه، دون أن يجدوا في أنفسهم موانع تصرفهم عنه.
الأمر الثالث: يقولون له فيه: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل} ويقصدون بذلك أنهم لا يرون لنوح ومن آمن معه أمورًا دنيوية زائدة، قد فضلهم الله بها بسبب إيمانهم، كالغنى أو الجاه أو كثرة الخيرات المادية، وهم يزعمون بهذا أنه لو كان الله راضيًا عليهم بهذا الإيمان الذي التزموه ويدعون إليه لفضلهم بهذه الأمور الدنيوية على الذين كفروا برسالة نوح عليه السلام.
وقد نتج عندهم من هذه الأمور الثلاثة، التي اعتبروها أدلة مرجحة، ظنهم بأن نوحًا ومن آمن معه كاذبون، ومن أجل ذلك ختموا استدلالهم بقولهم:{بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين} كإعلان للنتيجة بعد تلك المقدمات الاستدلالية.
رد نوح عليه السلام:
وفي مقابل هذه الاستدلالات التي ساقها قوم نوح مستندين إليها في رفض دعوته كان على نوح عليه السلام أن يجادلهم بالطريقة التي هي أحسن من طريقتهم، ليبين لهم بطلان أدلتهم، ويثبت لهم أنه ومن آمن به على حق من ربهم، ولذلك أخذ يفند حججهم واحدة فواحدة، ضمن طرق المجادلة المهذبة الراقية.
أولًا: أما احتجاجهم بأنه بشر مثلهم، ودعواهم أن البشرية تتنافى مع الرسالة، فقد أثبت لهم نوح عليه السلام بطلان ذلك بقوله المهذب الكريم: