للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخير، والأخذ على يد الظالمين وردعهم, ومعاقبة من يستحق العقاب، وقطع دابر الفتن، وحفظ المجتمع من التفكك بإقامة الحق والعدل، وتوثيق الروابط الاجتماعية، وشد أواصرها، وكل ذلك ضمن منهج الإسلام القويم.

وإن صحائف التاريخ لتشهد بأن إقامة الحكم السوي الرشيد من أفعل الوسائل التي تُرسي في المجتمعات الإنسانية قواعد الحضارات الراقيات، وتمنحها الطمأنينة والاستقرار والرفاه، ومن أفعل الوسائل التي تخلف آثارًا عظيمة في الإصلاحات الحضارية للأمم، وفيما تبلغه من رقي سامق.

وجاء فيما روي عن عثمان رضي الله عنه قوله: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" أي إن الله ليدفع الناس إلى فعل الخير ويردعهم عن فعل الشر بقوة السلطان، ما لا يكون نظيره بمجرد موعظة القرآن.

ولهذا اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بإقامة الحكم الإسلامي عند أول فرصة يستطيع بها مجتمع مسلم إقامته على طائفة ما من أرض الله.

وهذا ما فعله الرسول صلوات الله عليه بعد هجرته إلى المدينة مباشرة؛ إذ تهيأ له فيها أن يباشرها بإقامة الحكم الإسلامي في المجتمع الصغير، الذي أصبح المسلمون فيه ذوي كيان يمكن تمييزه عن غيره، وأصحاب سيادة مستقلة على طائفة من الأرض، ومعلوم أن مثل هذا يختلف تقديره باختلاف الأزمنة، وأحوال الأمم والشعوب، والظروف العالمية الدولية.

وكان قيام الدولة الإسلامية في المدينة يتطلب تأسيس مكان جامع لها، فكان أول ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أن بنى مسجد المدينة، ولما كان مفهوم الدولة الإسلامية يشمل فيما يشمل جوانب العبادة والعلم والسياستين الداخلية والخارجية، كان مسجد المدينة هو المكان الجامع لها، وذلك نظرًا إلى أن حالة الدولة الناشئة الصغرى يومئذ لا تستدعي أكثر من ذلك.

وكان اسم المدينة يثرب، ولا تعدو هذه البلدة أن تكون قرية غير كبيرة من القرى فغير الرسول اسمها، وأعلن أنها المدينة، إشارة إلى الرسالة المدنية الحضارية التي يحملها إلى الناس.

<<  <   >  >>