ونظر الرسول صلوات الله عليه إلى المجتمع الإسلامي، الذي تسلم منذ ذلك الحين رعايته الكاملة الدينية والمدنية، فبادر إلى توحيد أعضائه بالتآخي بين المسلمين بشكل عام، واهتم بشكل خاص بأن يعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، ليقف في وجهه ما يمكن أن يربو من فوارق عنصرية مع تطاول الزمن، وبلغ التآخي أول الأمر مبلغ التوارث، ولما استقر الأمر وتوطدت دعائم الدولة نسخ حكم التوارث على أساس التآخي، وبقي حكم التوارث بالنسب والمصاهرة والولاء.
ونظر الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا إلى السياسة الداخلية والخارجية لهذه الدولة الإسلامية الفتية، فأعلن الوثيقة السياسية الأولى في تاريخ الإسلام، أو ما قد نسميه اليوم بدستور العمل السياسي لهذه الدولة في المدينة، وصدر هذه الوثيقة بالمادة الأولى من هذا الدستور وهي:
"إن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وعاهد معهم أمة من دون الناس".
وضم إليها طائفة من المواد الأخرى التي تبين بعض الحقوق العامة، وطائفة من المواد التي تبين علاقة المسلمين بمجاوريهم في المدينة من أهل الكتاب.
وأمر صلوات الله عليه بتسجيل هذه الوثيقة في صحيفة، فكانت هي المرجع للعمل السياسي الذي استدعته ظروف المدة الأولى لإقامة الدولة الإسلامية.