للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحقيق أكبر نسبة من الخير، وتفادي أكبر نسبة من الشر، في نظرة كلية جامعة ينظر بها الإسلام إلى الإنسانية على وجه العموم، ثم إلى الحياة، ثم إلى الوجود بأسره.

ولا يظن ظان أن الإسلام يرفع من حسابه على هذا المفهوم للخير والشر ملاحظة المنافع والمتع واللذات، أو ملاحظة المضار والآلام والأكدار، بل الإسلام يدخل كل ذلك في حسابه، ولكن ضمن نظرة كلية شاملة، سيأتي تفصيلها، وتوضيح جوانبها إن شاء الله.

ويدني هذه الحقيقة من الفكر المثال التالي:

يشتهي الطفل المريض قطعة من الحلوى، وفي تناوله لهذه القطعة لذة عظيمة له، ومتعة تندفع إليها نفسه بإلحاح، وذلك في تقديره من الخير الذي يصح أن يسعى إليه، ولكن هذه القطعة من الحلوى ستسبب له آلامًا كثيرة إذا هي وصلت إلى أمعائه، وهذا شر أكبر نسبة من الخير الذي يهفو إلى تحقيقه من طريق متعة الفم، وهو للنتيجة المؤلمة جاهل، أو عنها غافل.

فماذا يحكم العاقل البصير على تناول هذا المريض لهذه القطعة من الحلوى؟ هل هو خير أم شر؟ إنه لا شك يحكم على تناولها بأنه شر.

وهنا يقال: هل رفع العاقل البصير من حسابه متعة الفم ولذته بتناول قطعة الحلوى؟

الجواب: إنه لم يرفع ذلك من حسابه، ولكنه أدخل في حسابه أيضًا أشياء أخرى؛ إذ نظر إلى الأمر نظرة كلية شاملة، تناولت العمل، وجميع ما يؤدي إليه. إن عاجلًا أو آجلًا.

وكذلك الإسلام في كل أحكامه وشرائعه.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى واقع هذه الحياة الدنيا؛ إذ بث الله فيها أسباب اللذة وأسباب الألم، ونشر فيها عوامل المنفعة وعوامل المضرة، ومزج كل ذلك بعضه في بعض، وجعل كثيرًا من الآلام جسورًا لتحقيق الخير العظيم،

<<  <   >  >>