للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما زال أمر المسلمين كذلك حتى تسرب إلى نفوسهم مرض الانحراف عن الهدف المثالي الحق، الذي حددته لهم أسس الحضارة الإسلامية، فدخل إلى قلوبهم داء الوهن، والطمع بالدنيا، وحب الشهوات، والتثاقل عن الجهاد في سبيل الله، والإخلاد إلى الأرض، فوكلهم الله إلى نفوسهم، وألقى الخلاف بينهم، وضرب بين قلوبهم، وسلط عليهم عدوهم.

ولكن حركة المد والجزر في البحر الزاخر من المسلمين المنتشرين في الأرض، كانت توقظهم بين حين وآخر، إلى ما يجب عليهم نحو رسالتهم الحضارية العظمى، من الجهاد في سبيل الله جهادًا حقًّا، مستوفيًا كامل شروطه وأركانه، فكانت صحوات اليقظة هذه كافية لصد أعدائهم عنهم، ورد كيدهم في نحورهم، وإبقاء هيكل الدولة الإسلامية العام مهيبًا مرهوب الجانب.

وبين ضعف هذا الكيان وعوامل اليقظة ومظاهرها، لاحظ أعداء الإسلام العقيدة القوية الراسخة التي تجعل جيوش حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة كأنها الجبال الراسيات قوة وثباتًا، وامتحنوها بشكل عملي خلال قرون صارعوهم فيها بكل وسيلة من وسائل القتال المحكم العنيف، وكانت النتيجة أن مستهم صدمة عنيفة من الذعر والدهش والحيرة، ثم لم يجدوا سبيلًا إلى تفتيت هذه القوة الهائلة، إلا بأن يأتوا إلى جيوش حملة رسالة الجهاد الإسلامي، فيفرغوها من سر قوتها الحقيقية أولًا، ويضعوا مكانها قوى خلبية باردة ثانيًا، ثم يوجهوا عليها ضرباتهم القاصمات ثالثًا، ورأوا أنه لن يتم لهم الظفر عليها إلا بذلك، وكذلك فعلوا.

وقد وجه أعداء الإسلام جهودهم لإزالة قوة الإيمان بالله، وتهديم البواعث على الجهاد المقدس، وأتْبَعُوا ذلك بإلغاء شروط القتال في سبيل الله، ووضعوا مكان كل ذلك قوى صورية، تعطي صوتًا عظيمًا مدويًا، ولكنها لا تحدث إلا أثرًا يسيرًا، وقد لا تحدث أي أثر إلا أثرًا ضد حاملها، ووضعوا مكان الشروط الربانية شروطًا أخرى، فأحلوا محل الاعتماد على الله على إمدادات الدول الطامعة ذات المصالح الشخصية، والاغترار بالنفس، وأحلوا محل ذكر الله عبارات طاغوتية غير إسلامية، وأغاني مشحونة بتبجحات حقيره، وحميات

<<  <   >  >>