وكثر منذ ذلك الحين اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام، وبدأت العجمة واللحن يتسربان إلى أبناء العرب.
وعندئذ تنبه فريق من رجال الفكر الإسلامي، وفريق من رجال الحكم والإدارة، إلى ضرورة صيانة القرآن الكريم من التصحيف واللحن في كلماته على ألسنة العامة، بسبب التشابه في رسم بعض الحروف العربية؛ إذ كانت خالية من فروق النقط عليها، وإلى ضرورة صيانته من اللحن الذي يكون بتغيير حركات الحروف، نظرًا إلى أن الكتابة العربية في أصلها خالية من الدلالة على حركات حروفها فتحًا، وضمًّا، وكسرًا وسكونًا.
فاتجهت الأفكار لابتكار طريقة يضبط بها رسم القرآن، بشرط المحافظة على صورة بناء الرسم السابق، إلا ما تدعو الضرورة إلى تحسينه من الناحية الإملائية، كإثبات بعض الألفات التي كان اصطلاح الرسم قائمًا على حذفها. مثل ألف "كانت" ونحو ذلك.
والطريقة المختارة التي تم الاتفاق عليها أن يكون الضبط على شكل علامات مرافقات غير ملاصقات، تحدد نوع الحرف، وتُشير إلى حركته في النطق، من فتح وضم وكسر وسكون.
وأخذت العلامات المميزات للحروف، والمشيرات إلى الحركات، تدخل فيما يُكتب من مصاحف، ويُصاحب هذه العلامات التطوير والتحسين، حتى بلغت ذروتها في نهاية القرن الثالث الهجري، وهي الصورة التي استمرت حتى يوم الناس هذا.
ومن الذين تذكر أسماؤهم في التاريخ ممن وجهوا لعمليات الضبط هذه من رجال الحكم:
١- عبد الملك بن مروان، "الخليفة الأموي ٢٦-٨٦ هجرية"١.
٢- عبيد الله بن زياد. "والي خراسان، ثم البصرة للأمويين "٢٧-٦٧ هجرية"٢.