ودفع نوابغهم للبحث عن سر إعجاز القرآن البياني، في جانب فصاحته وبلاغته وأدائه للمعاني، وللبحث عن العوامل التي تجعل الكلام فصيحًا بليغًا، وعن درجات السلم التي بها يتفاضل بعض الكلام على بعض، فصاحة وبلاغة وجمالًا ودقة أداء وروعة بيان.
ونجم عن هذين الدافعين تأسيس علوم اللغة العربية:
- فدونت معجمات مفرداتها مقرونة بشواهدها من شعر العرب الذين لم تفسد ألسنتهم بالاختلاط بالأعاجم، ومن نثرها، وأمثالهم الدارجة، وتتبع العلماء الباحثون العرب الأقحاح يأخذون عنهم مباشرة في بواديهم، ومنازلهم، ومضارب خيامهم.
- وتوجه النابغون يضبطون قواعد مفرداتها وجملها فيما عرف بعد ذلك بعلم النحو والصرف، وما تبع هذين العلمين من ذيول.
- واستخرجت ودونت قواعد علوم البلاغة فيما عُرف بعد ذلك بعلم النحو والصرف، وما تبع هذين العلمين في ذيول.
- واستخرجت ودونت قواعد علوم البلاغة فيما عرف بعد بعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.
وأحرز المسلمون في هذه العلوم التي أسسوها سبقًا حضاريًّا لم تحظ بمثله أمة من الأمم قبلهم.
الحقيقة الثانية: أن القرآن والسنة مشتملان على أصول العقيدة التي جاء بها الإسلام، وعلى طرق الهداية إليها البيانية والجدالية.
وإيمان المسلمين الصادقين بهذه الحقيقة، مع ظهور مجادلين في بعض مسائل العقائد وأركان الإيمان، دفع أهل العقل والرشد والبحث العلمي الرصين، إلى تأسيس علم يشرح أركان الإيمان ومسائل العقائد، بالاعتماد على الأدلة النصية والعقلية، وقد اشتهر هذا العلم باسم:"علم الكلام" إذا برزت فيه جدليات كثيرة حول "الكلام" الذي هو أحد صفات الله الواردة في القرآن. واشتهر أيضًا باسم:"علم التوحيد" إذا برزت فيه الأدلة التي واجه بها المسلمون المشركين في قضية توحيد الله عز وجل في ربوبيته وفي إلهيته، وتقديم البراهين على أنه لا شريك له فيهما. ثم عرف هذا العلم باسم:"علم العقائد الإسلامية" أو "العقيدة