"إن سيلًا عرمًا من نتاج الفكر العربي "تقصد من نتاج المسلمين" ومواد الحقيقة والعلم وقد نقحته أيد عربية "أي: أيد مسلمة" ونظمته، وعرضته بشكل مثالي، قد اكتسح أوروبة -ولو في رداء ركيك من اللغة اللاتينية- وغمر أرضها الجافة عمرًا، فأشبعها كما يشبع الماء الرمال الظمأى.
وبعد الموجة الأولى التي سمت بـ"سالرنو" إلى ذرى من الشهرة العالمية التي لا تضاهي، جاءت الموجة الثانية فبعثت الحياة النابضة في مدينة "مونبليه" الواقعة على مفترق الطرق بين إسبانيا وما تبقى من بلاد الغرب، وأمدت مدرسة "بولونية" الإيطالية، وجامعتها، بدفعات جديدات من الذخر العربي، وأعطت مواد الدراسة المثالية إلى "بادوا" و"باريس" و"أكسفورد".
وفي مراكز العلم الأوروبية لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء، إلا ومد يديه إلى الكنوز العربية هذه يغترف منها ما شاء الله له أن يغترف، وينهل منها كما ينهل الظمآن من الماء العذب؛ رغبة منه في سد الثغرات التي لديه، وفي الارتقاء إلى مستوى عصره العلمي.
ولم يكن هناك كتاب واحد من بين الكتب التي صدرت في أوروبة آنذاك إلا وقد ارتوت صفحاته بالري العميم من الينابيع العربية، وأخذ عنها ... وظهر فيه تأثيرها واضحًا كل الوضوح، ليس فقط في كلماته العربية المترجمة، بل في محتواه وأفكاره". ا. هـ. شمس العرب "ص٣٠٥-٣٠٦".
٨- وجاء فيه قولها متحدثة عن صقلية التي حكمها المسلمون قرنين ونصفًا، وكانوا فيها سادة للجزيرة على طرف أوروبة الجنوبي، ثم طردهم منها الكونت "روجر الأول" النورماني:
"فمنذ مائتي سنة قدم العرب إلى صقلية من تونس، من المنطقة التي حول القيروان، وحولوا خرائب صقلية أو حدائق غناء، واستوردوا لها من بلادهم أشجار النخيل، وزرعوا فيها أشجار البرتقال والفستق والمر والموز والزعفران، فحولوا الجزيرة الفقيرة بالقطن وقصب السكر إلى بلد يزخر بالخيرات، وزينوها بالقصور والمساجد الرائعة التي كانت تعج بالشعراء والمغنين والفلاسفة والأطباء وعلماء الرياضة والطبيعة، ويُحصيها ابن حوقل عام "٩٧٠م" في "بالرمو" فقط بثلاثمائة ما بين قصر ومسجد. واستخدم المتعلمون في صقلية في كتاباتهم ورقًا أبيض كان أول ورقة عرفته أوروبة، وكان ذلك قبل أن تُصدره إسبانية إلى الغرب بزمن طويل". ا. هـ. شمس العرب.