ولم تشمل هذه الحركة الرجعية العامة من الناس فحسب، بل إن المتعلمين أيضًا لم يكن لهم من زاد عقلي سوى بعض الأساطير المليئة بالخرافات المقتبسة أسوأ اقتباس عن اللاتينية البربرية، أو عن قصص الإغريق وأساطير الشرق القديمة.
وما وصلت إليه الكنيسة وكهنتها في المجال الديني لم يكن عامل إنقاد للحضارة بل كان عائقًا لها.
وظل الفكر الإغريقي بالنسبة إليهم غريبًا، فحوالي عام "٣٠٠م" علل أسقف قيصرية "أوزيبوس Eusebius" ذلك المسلك لعلماء الطبيعة من "الإسكندرية" و"برجامون" قائلًا: إن موقفنا هذا ليس جهلًا بالأشياء التي تعطونها أنتم كل هذه القيمة، وإنما لاحتقارنا لهذه الأعمال التي لا فائدة منها، لهذا فإننا نشغل أنفسنا بالتفكير فيما هو أجدى وأنفع.
ولقد كان الفكر الإغريقي يُمثل للمسيحيين شبحًا ملعونًا، فلم يقتربوا منه، بل حطموا جزءًا كبيرًا من تراثه، وحرموا منه البشرية.
ولقد كان الفكر الإغريقي يُمَثِّل للمسيحيين شبحًا ملعونًا، فلم يقتربوا منه، بل حطموا جزءًا كبيرًا من تراثه، وحرموا منه البشرية.
حتى إن الغرب اضطر بعد صحوته أن يبدأ من جديد، على الرغم من أن الحضارات القديمة، والهيلينية١ على الخصوص، كانت قد وصلت في سالف أيامها إلى درجة كبيرة من الرقي.
وعلى الرغم من هذا فقد بدا للسادة المهيمنين على الأمور ضرورة تحريم الكتب، التي تهتم بالأمور الحقيرة الدنيوية على المتعلمين ورجال الدين المسيحي.
ففي عام "١٢٠٦م" نبه مجمع رؤساء الكنائس المنعقد في باريس رجال الدين بشدة على عدم قراءة العلوم الطبيعية، واعتبر ذلك خطيئة لا تغتفر.
وقضى هذا التفكير الضيق على كل موهبة، وعاق كل بحث علمي، وأجبر كل المفكرين الذين لا تتفق أعمالهم ومعتقدات الكنيسة هذه، على إنكار ما قالوه