ومما يؤسف له أنه لم يكن ينتظر من النصارى في بلاد المسلمين، الذين كانوا يعاملون أحسن معاملة تتلقاها أقليات في كل شعوب الأرض، أن يبتهجوا بسقطو مدن المسلمين وتدميرها بأيدي المغول الوثنيين، وإن يعلنوا فرحتهم وتمجيدهم للقائد المغولي "هولاكو" وزوجته النصرانية، وأن يعتبروا نصر التتار نصرًا للنصاري في المنطقة ضد المسلمين، إلا أن هذا كله قد حصل منهم، فلم يقابلوا الجميل بمثله، ولا بعشرة في المائة منه، بل قابلوه بالجحود والنكران، والانحياز إلى جيش العدو الغازي، طمعًا بأن تكون الكلمة العليا بعد ذلك لهم.
٤- ثم لمع الضوء الإسلامي من ضمن قادة المغول أنفسهم، ومن أفراد شعوبهم، إذا اعتنق الإسلام "بركة خان" ابن عم "هولاكو" وقد كان "بركة خان" حاكمًا في القبجاق، وصار يتوعد "هولاكو" بأن ينتقم منه، بسبب ما اقترفه من مذابح قتل الملايين من المسلمين، ولتجرئه على مقام الخلافة، وقتله خليفة المسلمين.
وصار الإسلام ينتشر في أفراد وأسر الشعب المغولي، حتى ظهر منهم قادة متعددون مسلمون، ومنهم الملك "تغلق" تيمور الذي تأثر بدعوة عالم رباني يقال له "الشيخ جمال الدين" ثم ابن هذا العالم من بعده "الشيخ رشيد الدين" ثم انتشر الإسلام في التتار١.
جاء في كتاب "المغول في التاريخ" تأليف "د. فؤاد عبد المعطي الصياد" قوله: "وإذا كان الغزو المغولي على يد "جينكيز خان" وخلفائه للبلاد الإسلامية في بادئ الأمر عصيبًا عانى فيه المسلمون القتل والتعذيب، والخراب والدمار، فإن هذا العاصفة الهوجاء صارت تهدأ تدريجيًّا، حتى جاء الوقت الذي تأثر فيه المغول بحضارة المغلويين، واعتنقوا دينهم، وشرعوا يصلحون ما أفسد آباؤهم "أي: من ظواهر حضارية مادية" وأقبلوا يساهمون بنصيبهم في إنهاض الحضارة الإسلامية في شتى مظاهرها". ا. هـ. "ص١٤ مقدمة المؤلف".
١ ذكر قصة إسلام هذا الملك المؤرخ "آرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" وذكرتها مفصلة المصادر التركية والفارسية. انظر تفصيل هذه القصة في رسالة للعالم الداعية الرباني "الشيخ أبي الحسن علي الحسن الندوي" بعنوان "أوروبا وأمريكا وإسرائيل".