والتخيل من جهة، وعن طريق الاختيار والتجربة والملاحظة من جهة أخرى، أن يبتكر من المواد المنبثة في الوجود صورًا جديدة، ومصنوعات جديدة ذوات فائدة ونفع، أو ذوات متعة وجمال.
فما ينجزه من ذلك نستطيع أن نعتبره بحسب مقاييس الأعراف الإنسانية عملًا إبداعيًّا ابتكاريًّا، وإن كان الإبداع فيه للهيئة التركيبية فقط، لا للمادة؛ لأن المادة جاهزة في الوجود بمحض خلق الله، لم تتوسط في إبداعها القدرات البشرية، ولا تستطيع القدرات البشرية أن تبدع فيها شيئًا مهما بلغت.
وبعد هذا نستطيع أن نقول: إن من العناصر الأولى الدافعة للترقي في سلم الكمال الإبداعي ما يلي:
١- الرغبة بالابتكار والتحسين والإتقان في مظاهر الوجوه، وفي وسائل العيش، وفي فنون التعبير عن المشاعر النفسية، مع حس راق بالجمال.
٢- ما لدى الإنسان من قدرات فكرية وتخيلية وعملية يستطيع بها أن يبتكر ويحسن ويتقن، أو يعبر عن مشاعره النفسية بما يبتكر من أقوال أو حركات أو أعمال جميلة تنم عن ذوق رفيع، وذكاء بديع.
ولا ريب في أن الكمال الإبداعي خير بحد ذاته، ما لم ينجم عنه شر بسبب من الأسباب المرافقة له، كسوء استعمال، أو مخالفة لمحظور ديني حرمه الله، لما يترتب عليه من إخلال بالعقيدة، أو فتنة في السلوك، تفضي إلى الانحراف عن طريق الخير.
وقد شجع الإسلام على الترقي في سلم الكمال الإبداعي، ولم يمنع منه إلا ما غلبت فيه دواعي الفتنة في الدين، عقيدة أو سلوكًا، أو كان في معظم أحواله ذريعة لنشر الفساد في الأرض.
ومن أمثلة ذلك تحريم الإسلام تحت الأوثان، وصنع التماثيل، وإبراز المرأة فنون زينتها لغير من تحل له، ممن يغلب في معتاد الناس بحسب غرائزهم افتتانه بها.