الأشياء التي تسمونها خيرًا ما هي إلا وسائل يمكن أن تستعمل في الخير، ويمكن أن تستعمل في الشر، وضرب على ذلك مثلًا ماديًّا محسوسًا في الأنعام، فمنها ما يأكل من الربيع الذي يسميه الناس خيرًا فتكثر منه، وتسيء التصرف، فيقتلها. أو يجعلها قريبة من الهلاك، ومنها أنعام تقنع بما يكفيها فتنتفع منه وتربو عليه.
ومن الأدلة النبوية أيضًا ما تضمنه الحديث التالي:
مر النبي صلوات الله عليه بشاة ميتة لميمونة، فقال:"هلا انتفعتم بإهابها".
فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال:"إنما حرم أكلها" وقال أيضًا: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". الإهاب: الجلد.
فدل بذلك على أن تحريم وجه من وجوه الاستعمال لشيء من الأشياء، لما فيه من ضرر، لا يغني تحريم ذات الشيء، أو اعتبار ذلك الشيء شرًّا بذاته، ولا يغني أيضًا تحريم سائر وجوه الاستعمالات الأخرى، التي لا ضرر فيها، فلكل وجوه من وجوه الاستعمال حكمه المناسب له بحسب القواعد العامة التي تستند إليها الأحكام الشرعية.
وهكذا ترقى الفلسفة الإسلامية إلى قمة سامقة، لا تدانيها قمة أخرى، ما لم تكن متفقة معها من كل الوجوه.