المجانين، أو أن يكون شياطين مجرمين يخادعون الناس بهذه المقولة، ليفعلوا كل جريمة معهم، دون أن يسموهم مجرمين؛ إذ ستروا أنفسهم المجرمة، بطلاء من مقوله مكيافلي، التي أطلقوا عليها كذبًا وزورًا اسم "نظرية".
وفي محاكمة هذا الكلام الفاسد -إذا أخذ على إطلاقه- لا بد أن نضع على سبيل التطبيق الفلسفي مجموعة من مطالب النفس وحاجات الجسد، ونفرض أنها غايات، ثم نضع في مقابل ذلك مجموعة مما يمكن أن يكون وسيلة لهذه الغايات، ونفرض أنها وسائل.
إنه من المتحتم عند ذلك أن تبدو لنا أمثلة تطبيقية مضحكة جدًّا أخف منها بدرجات كثيرات ما يجري داخل مستشفيات الأمراض العقلية.
إنه يلزم من هذه المقولة المكيافلية إذا أخذت على إطلاقها دون قيود -أن لا يرى المكيافليون مانعًا من أن يُحرق إنسان مثلًا مجموعة من أوراق النقد ذات الأرقام العالية ليغلي عليها ماء يصلح فيه كأسًا من الشاي، أو فنجانًا من القهوة، ذلك لأن غايته التي هي شرب الشاي أو القهوة تبرر له وسيلة إحراق الأوراق النقدية الكبيرة، وخسارة الألوف مقابل كأس لا تساوي عددًا من الفلوس. وأن لا يروا مانعًا من أن تُرمى مخطوطات أغنى مكتبة عالمية بالمخطوطات العلمية القديمة، في نهر كبير، ليتخذ منها جسر مؤقت تعبر عليه جيوش الغزاة، وليس من المهم بعد ذلك أن تخسر الإنسانية ذخائر المنجزات الحضارية التي خلفتها القرون الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة، وأن لا يروا مانعًا أيضًا من تجويع الألوف من البشر، وسرقة خيراتهم ليتمتع مجرم واحد بمظاهر الترف والرفاهية، فالغاية تبرر الوسيلة، وأن لا يروا مانعًا من أن يقطع إنسان يد آخر ليجعل من عظم ساعدها عصًا لمكنسة، وأن يسلخ جلد إنسان حي ليصنع منه طبلا يتسلى بدقه والنقر عليه في جلسات السمر، وأن يحرق مدينة كاملة ليتمتع بمشاهدة لهيب نار عظمى عن بعد، كما فعل نيرون حاكم روما. وأن يقذف إلى حلبة صراع دام وحشًا ضاربًا وإنسانًا بريئًا، ليتمتع بمشاهدة ظفر الغالب منهما ومصرع المغلوب، وقد مارست روما في أوج حضارتها من ذلك الشيء الكثير. كل ذلك ينبغي أن يكون مقبولًا عندهم لأن الغاية تبرر الوسيلة.