وما هذه الأعمال الجنونية أو الإجرامية إلا وسائل لغايات، فإذا كانت الغايات مطلقًا تبرر أية وسيلة دون قيد أو شرط فما أجدر الإنسان الذي يتبنى هذه المقولة الفاسدة أن يهوي إلى أحس مرتبة يمكن أن تتصور في الوجود، وأحر به عند ذلك أن يخلع هذا الثوب الإنساني الكريم، وأن يلبس ثوب أخس الأحياء شراسة أو دناءة.
وإذا كانت المكيافلية العامة تقول:"إن الغاية تبرر الوسيلة" في شئون السياسة، دون أن تضع لقاعدتها هذا أي قيد من قيود المنطق السديد، والحق الثابت، والفضيلة المثلى.
وإذا كانت الميكافلية اليهودية تأخذ بهذه القاعدة نفسها في مختلف الشئون السياسية والمالية والعلمية وغيرها من الشئون التي تحقق لليهودي غاية من غاياته مهما كانت حقيرة، ولو كانت الوسيلة إلى تحقيقها إهدار حق أي إنسان، وأي شعب لا ينسب إلى اليهودية، ولو كانت الوسيلة إلى تحقيقها إهدار الفضيلة الخلقية، وارتكاب الجريمة القذرة، ونشر الكفر بالله، وبث الإلحاد به.
فإن الإسلام يتربع على قمة المجد في مراعاة الحق والعدل والفضيلة والتزام ما أمر الله به، ويكلف المسلمين أن يراعوا ذلك مع الناس جميعًا، دون تفريق بين الأفراد وبين الأمم والشعوب، سواء منهم من دان بالإسلام، ومن لم يدن به.
وموقف الإسلام بين الوسائل والغايات تحدده أروع نظرية تلتزم بالحق والعدل والفضيلة، وبسائر ما أمر الله به من خير، وتفسح صدرها إلى اتخاذ بعض الوسائل التي يوجب المنطق السليم اتخاذها، ارتكابًا لأخف الضرريين، ووسيلة لدفع أشدهما، وذلك حينما يتعذر اتخاذ وسيلة أخرى لا ضرر فيها مطلقًا.
وقاعدة الإسلام في ذلك تحددها البنود التالية:
البند الأول:
من المتحتم أولًا أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بالأنواع التي