للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيضاً إذ الإيمان بواحد يستلزم الإيمان بالثاني، {ومنهم من لا يؤمن به} ١، وهذا إخبار غيب فتم كما أخبر تعالى فقد آمن من المشركين عدد كبير ولم يؤمن عدد آخر. وقوله {وربك أعلم بالمفسدين} أي الذين لا يؤمنون وفي الجملة تهديد لأولئك الذين يصرفون الناس ويصدونهم عن الإيمان والتوحيد. وقوله تعالى: {وإن كذبوك} أي استمروا في تكذيبهم لك فلا تحفل بهم وقل {لي عملي٢ ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل، وأنا بريء مما تعملون} فإذا كان هناك عقاب دنيوي فإنك تسلم منه ويهلكون هم به.

وقوله تعالى في الآية (٤٢) {ومنهم من يستمعون إليك} ٣ إلى قراءتك القرآن وإلى قولك إذا قلت داعياً أو آمراً أو ناهياً، ومع هذا فلا يفهم ولا ينتفع بما يسمع، ولا لوم عليك في ذلك لأنك لا تسمع الصم، وهؤلاء صم لا يسمعون، ومنهم من ينظر إليك بأعين مفتحة ويرى علامات النبوة وآيات الرسالة ظاهرةً في حالك ومقالك ومع هذا لا يهتدي ولا لوم عليك فإنك لا تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون٤. وقوله تعالى {إن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون} بيان لسنة الله تعالى في أولئك الذين يسمعون ولا ينتفعون بسماعهم، ويبصرون ولا ينتفعون بما يبصرون، وهي أن من توغل في البغض والكراهية لشيء يصبح غير قادر على الانتفاع بما يسمع منه ولا بما يبصر فيه. ولذا قيل حبك الشيء يُعمي ويُصم، والبغض كذلك كما أن الاسترسال في الشر والفساد مدة من الزمن يحرم صاحبه التوبة إلى الخير والصلاح، ومن هنا قال تعالى {إن الله لا يظلم٥ الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون} .

هداية الآيات

من هداية الآيات:

١- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك.

٢- تقرير معنى آية {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .


١ كأبي طالب وأبي لهب وأبي جهل وغيرهم.
٢ أي لي ثواب عملي على التبليغ والطاعة لله تعالى ولكم جزاء عملكم الذي هو الشرك والكفر والتكذيب.
٣ أي: في ظواهرهم أمّا قلوبهم فلا تعي شيئا مما تقول من الحق وتتلوه من القرآن.
٤ أي: ولو انظمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة.
٥ في هذا إشارة إلى أنّ عدم هدايتهم يكن خارجاً عن إرادتهم ولكن كان باستحبابهم العمى على الهدى وإيثارهم للدنيا على الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>