للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العالمين فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله الحق: {إنه ليس من أهلك} أي الذين وعدتك بإنجائهم لأنه على غير دينك وعلى خلاف منهجك، {إنه عمل١ غير صالح} أي إن سؤالك هذا إليّ بإنجاء ولدك وهو كافر على غير ملتك، وقد أعلمتك إني مغرق الكافرين. سؤالك هذا عمل غير صالح يصدر عنك: {إني أعظك} أي أنهاك وأخوفك {أن تكون من الجاهلين} فتسألني ما ليس لك به علم. قال نوح {ربّ} أي يا رب إنّي أعوذ بك أي استجير وأتحصن بك أن أسألك بعد الآن ما ليس لي به علم. وإلا تغفرلي وترحمني أكن من الخاسرين أي الذين غبنوا أنفسهم حظوظها فهلكوا، فأجابه الرب٢ تعالى {يا نوح أهبط} من السفينة أنت ومن ومعك من المؤمنين بسلام منا أي بأمن منا وتحيات، وبركات عليك وعلى أمم ممن معك أي من ذريّة من معك، فلا تخافوا جوعاً ولا شقاء، وأمم من ذريّة من معك سنمتعهم متاع الحياة الدنيا بالأرزاق ثم يمسهم منا عذاب أليم يوم القيامة لأنهم ينحرفون عن الإسلام ويعيشون على الشرك والكفر. وهذا من علم الغيب الذي أخبر الله تعالى به فكان كما أخبر فقد نشأت أجيال وأجيال من ذريّة نوح منهم الكافر ومنهم المؤمن وفي الجميع ينفذ حكم الله ويتم فيهم وعده ووعيده. وقوله تعالى في الآية (٤٩) وهي الأخيرة في هذا السياق يقول تعالى {تلك من أنباء الغيب٣ نوحيها} أي هذه القصة التي قصصناها عليك من أنباء الغيب الذي لا يعلم تفصيله إلا الله نوحيها إليك ضمن آيات القرآن ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على وجه التفصيل من قبل هذا القرآن إذاً فاصبر يا رسولنا على أذى قومك مبلغاً دعوة ربك حتى يأتيك نصرنا فإن العاقبة٤ الحسنى الحميدة وإنما للمتقين ربهم بطاعته والصبر عليها حتى يلْقوهُ مؤمنين صابرين محتسبين.


١ قرأ ابن عباس، وعروة وعكرمة، ويعقوب، والكسائي: {إنه عَمِل غيرَ صالح} أي: إن ابنك عمل عملاً غير صالح، وهو الكفر والتكذيب وقرأ الباقون {عملٌ غير صالح} أي: ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف كقول الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار.
٢ وجائز أن يكون القائل: {اهبط} : الملائكة عليهم السلام بإذن الله تعالى.
٣ اشتملت الآية على ثلاثة أمور هي: الامتنان والصبر، والتسلية، فالامتنان في قوله: {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك} والموعظة في قوله {فاصبر} الخ.. والتسلية في قوله، {إن العاقبة للمتقين} .
٤ العاقبة في الدنيا بالظفر، وفي الآخرة بالفوز وهو النجاة من النار، ودخول الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>