للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي تنزه وتقدس عما يشركون به من الآلهة الباطلة إذ لا إله حق إلا هو. وقوله {ينزل الملائكة بالروح١ من أمره} أي بإرادته وإذنه {على من يشاء من عباده} . أي ينزل جبريل عليه السلام بالوحي على من يشاء من عباده٢ وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} أي بأن انذروا٣ أي خوفوا المشركين عاقبة شركهم فإن شركهم باطل سيجر عليهم عذاباً لا طاقة لهم به، لأنه لا إله إلا الله، وكل الآلهة دونه باطلة. إذاً فاتقوا الله بترك الشرك والمعاصي وإلا تعرضتم للعذاب الأليم. في هاتين الآيتين تقرير للوحي والنبوة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقرير التوحيد أيضاً وقوله تعالى في الآيات التالية: {خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون} استدلال على وجوب التوحيد وبطلان الشر ك فالذي خلق السموات والأرض بقدرته وعلمه وحده دون ما مُعِين له ولا مساعد حُقَّ أن يعبد، لا تلك الآلهة الميتة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق {تعالى عما يشركون} أي تنزه وتقدس تعالى عما يشركون به من أصنام وأوثان. وقوله: {خلق الإنسان من نطفة} أي من أضعف شيء وأحقره قطرة المني خلقه في ظلمات ثلاث وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً حتى إذا رباه وأصبح رجلاً إذا هو خصم لله يجادل ويعاند٤، ويقول من يحيي العظام وهي رميم. وقوله تعالى {والأنعام خلقها لكم فيها دفء٥ ومنافع ومنها تأكلون} فهذه مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرحمة وهي الموجبة لعبادته تعالى وترك عبادة ما سواه. فالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم خلقها الله تعالى لبني آدم ولم يخلقها لغيرهم، لهم فيها دفء إذ يصنعون الملابس والفرش والأغطية من صوف الغنم ووبر الإبل ولهم فيها منافع كاللبن والزبدة والسمن والجبن والنسل حيث تلد كل سنة فينتفعون بأولادها. ومنها يأكلون اللحوم المختلفة فالمنعم بهذه النعم هو الواجب العبادة دون غيره من سائر


١ بالروح، أي بالوحي بالنبوة نظيره قوله تعالى: {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} .
٢ أي: من الأنبياء ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمامهم وخاتمهم وقوله: {أن أنذروا} : تفسير لقوله: {ينزل الملائكة بالروح} .
٣ أمر الله الأنبياء الذين أوحي إليهم بشرعه أن ينذروا المشركين عاقبة الشرك ويدعوهم إلى الإيمان والعمل الصالح بعد نبذ الشرك والعمل الفاسد.
٤ هذا الإنسان الخصيم هو أبيّ بن خلف الجمحي، جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعظم رميم فقال: أترى يحيي الله هذا بعد ما قد رمّ؟ وفيه نزل: {أو لم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفة..} الخ من سورة يس.
٥ الدفء: الشيء الذي يدفىء الإنسان، والجمع: ادفاء، ويقال: دفىء دفاءة ككره كراهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>