للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إياها إذ قال: {لتركبوها وزينة١} أي ولأجل أن تكون زينةً لكم في حياتكم وقوله {ويخلق مالا تعلمون} أي مما هو مركوب وغير مركوب من مخلوقات عجيبة ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة هذا كله إفضاله وإنعامه على عباده فهل يليق بهم أن يكفروه ولا يشكروه؟ وهل يليق بهم أن يشركوا في عبادته سواه. وقوله {وعلى الله قصد السبيل٢} ومن إفضاله وإنعامه الموجب لشكره ولعبادته دون غيره أن بين السبيل القاصد الموصل إلى رضاه وهو الإسلام، في حين إن ما عدا الإسلام من سائر الملل كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها سبل جائره عن العدل والقصد سالكوها ضالون غير مهتدين إلى كمال ولا إلى إسعاد هذا معنى قوله تعالى {وعلى الله قصد السبيل} وقوله {ولو شاء لهداكم أجمعين} أي لو تعلقت بإرادته هداية الناس أجمعين لهداهم أجمعين وذلك لكمال قدرته وعلمه، إلا أن حكمته لم تقتض هداية لكل الناس فهدى من رغب في الهداية وأضل من رغب في الضلال. ومن مظاهر ربوبيته الموجبة لألوهيته أي عبادته ما جاء في الآيات التالية (١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥) إذ قال تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب٣} تشربون منه وتتطهرون، {ومنه} أي من الماء الذي أنزل من السماء شجر٤ لأن الشجرة والمراد به هنا سائر النباتات يتوقف وجوده على الماء وقوله {فيه تسيمون٥} أي في ذلك النبات ترعون مواشيكم. يقال سام الماشية أي ساقها إلى المرعى ترعى وسامت الماشية أي رعت بنفسها. وقوله تعالى: {ينبت لكم به} أي بما أنزل من السماء من ماء {الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} كالفواكه والخضر على اختلافها إذ كلها متوقفة على الماء. وقوله {إن في ذلك} أي المذكور من نزول الماء وحصول المنافع الكثيرة به


١ أخذ مالك من قوله تعالى: {لتركبوها وزينة} : حرمة أكل لحوم الخيل ووافقه أبو حنيفة، وأجاز الجمهور أكلها لأنّ الآية لم تحرّم شيئاً وإنّما ذكرت فائدة من فوائدها وهي الركوب، ومن أدلة الجمهور: الحديث الصحيح من ذلك قول الصحابي نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن لنا في لحوم الخيل". وقال جابر رضي الله عنه: "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وحديث مسلم عن أسماء رضي الله عنها قالت: "فجزرنا فرسا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة وأكلناه".
٢ أي: على الله بيان قصد السبيل، والسبيل هو الإسلام، أي: بيان شرائعه وأحكامه وحِكمه ومواعظه بواسطة كتبه ورسله. وقصد السبيل: استقامته كما أن جائر السبيل: هو الحائد عن الاستقامة.
٣ الشراب: اسم لما يشرب وذكر للماء النازل من السماء فائدتين. الأولى: الشراب والثانية: إنبات النبات وهما نعمتان.
٤ لفظ الشجر: يطلق على النبات ذي الساق الصلبة ويطلق على مطلق العشب والكلأ تغليباً.
٥ الإسامة: إطلاق الإبل للسوم وهو الرعي يقال: سامت الماشية إذا رعت وأسامها: إذا رعاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>