للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

ما زال السياق في تربية المؤمنين أهل القرآن الذي هو تبيان كل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. وقال تعالى لهم {ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً} أي خديعة {بينكم} لتتوصلوا بالإيمان إلى غرضٍ دنيوي سافل، {فتزل قدم١ بعد ثبوتها} بأن يقع أحدكم في كبيرة من هذا النوع، يحلف بالله بقصد الخداع والتضليل فتذوقوا السوء في الدنيا بسبب صدكم عن سبيل الله من تعاهدونهم أو تبايعونهم وتعطونهم أيمانكم وعهودكم ثم تنقضوها فهؤلاء ينصرفون عن الإسلام ويعرضون عنه بسبب ما رأوا منكم من النقض والنكث، وتتحملون وزر ذلك، ويكون لكم العذاب العظيم يوم القيامة. فإياكم والوقوع في مثل هذه الورطة، فاحذروا أن تزل قدم أحدكم عن الإسلام بعد أن رسخت فيه. وقوله: {ولا تشتروا٢ بعهد الله ثمناً قليلاً} وكل ما في الدنيا قليل وقوله تعالى إنما عند الله هو خير لكم قطعاً، لأن ما عندكُمْ من مالٍ أو متاعٍ ينفد أي يفنى، {وما عند الله باق} لا نفاذ له، فاذكروا هذا ولا تبيعوا الغالي بالرخيص والباقي بالفاني، وقوله تعالى: {ولنجزين الذين صبروا} على عهودهم {أجرهم} على صبرهم {بأحسن ما كانوا يعملون} أي يضاعف لهم الأجر فيعطيهم سائر أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب أفضلها وأكملها حتى يكون أجر النافلة، كأجر الفريضة وهذا وعد من الله تعالى لمن يصبر على إيمانه وإسلامه ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، ووعدٌ ثان في قوله: {من عمل صالحاً من ذكرٍ وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه٣ حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} إلا أن أصحاب هذا الوعد هم أهل الإيمان والعمل الصالح، الإيمان الحق الذي يدفع إلى العمل الصالح، ولازم ذلك أنهم تخلوا عن الشرك والمعاصي، هؤلاء وعدهم ربهم بأنه يحييهم في الدنيا حياة طيبة لا خبث فيها قناعة وطيب طعام٤ وشراب ورضا، هذا في


١ هذه الجملة دلت على المبالغة في النهي اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة، إذ مَنْ وقع في ورطة يقال: زلت قدمه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شرٌ.
٢ نهى تعالى المؤمنين عن الرُّشا وأخذ الأموال على نقض العهد أي: لا تنقضوا عهودكم لعرض قليل من الدنيا. روي أن امرؤ القيس بن عابس الكندي اختصم مع ابن أسوع في أرض فأراد امرؤ القيس أن يحلف فلمّا سمع هذه الآية نكل وقرأ لخصمه بالأرض.
٣ اختلف في معنى الحياة الطيبة فقال بعضهم: هي الرزق الحلال، وقيل: هي القناعة وقيل: التوفيق إلى الطاعة الموجبة لرضوان الله تعالى، وقيل: هي حلاوة الطاعة، وقيل هي المعرفة بالله وصدق المقام بين يدي الله.
٤ روى مسلم قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".

<<  <  ج: ص:  >  >>