للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يبصرون فضلا عن أن يستجيبوا دعاء من دعاهم لكشف ضر أو تحويله إلى غيره، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٤) {قل أدعوا١ الذين زعمتم من دونه، فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} .

وقوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته} {ويخافون عذابه} . يخبرهم تعالى بأن أولئك الذين يعبدونهم من الجن٢ أو الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه. بشتى أنواع الطاعات والقربات فالذي يَعْبُدُ لا يُعْبَد، والذي يتقرب إلى الله بالطاعات لا يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده، وقوله {يرجون رحمته ويخافون٣ عذابه} ، أي أن أولئك الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. لأن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلاء، لأنه شديد لا يطاق. فكيف يُدعى ويرجى ويخاف من هو يدعو ويرجو ويخاف لو كان المشركون يعقلون.

وقوله تعالى: {وإن من قرية} أي مدينة من المدن {إلا نحن مهلكوها} أي بعذاب إبادة قبل يوم القيامة، {أو معذبوها عذاباً شديداً} بمرض أو قحط أو خوف من عدو {كان ذلك في الكتاب مسطورا} أي مكتوباً في اللوح المحفوظ، فلذا لا يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة وإن لم يكن قد كتب عليهم فلا معنى لاستعجاله فإنه غير واقع بهم وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة وقوله تعالى: {وما منعنا٤ أن نرسل بالآيات} أي بالمعجزات وخوارق العادات {إلا أن كذب بها} أي بالمعجزات الأولون من الأمم فأهلكناهم٥ بتكذيبهم بها، فلو أرسلنا نبينا محمداً بمثل تلك الآيات وكذبت بها قريش


١ قيل: إنه لما ابتليت قريش بالقحط، وشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزل الله تعالى هذه الآية أي: ادعوا الذين تعبدون من دون الله وزعمتم أنهم آلهة لكم.
٢ روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى: {أولئك الذين يدعون} قال: نفر من الجنّ أسلموا، وكانوا يُعْبَدون فبقي الذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجنّ، وفي رواية قال: أنزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجنّ فأسلم الجنيّون، والذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون أي: بإسلامهم فبقوا يعبدونهم.
٣ في الآية الجمع بين الخوف والرجاء وهما كجناحي الطائر إن انكسر أحدهما لم يطر بالأخر،. ولذا فلابد للمؤمن منهما فالخوف يحمل على أداء الفرائض واجتناب المحرمات، والرجاء يحمل على المسابقة في الخيرات، وبذلك تتم ولايته لربه ويأمن عاقبة أمره.
٤ {وإن من قرية} أي: ظالمة حذفت الصفة للعلم بها إذ لا يأخذ الله أهل قرية إلاّ بعد ظلمهم إذ هو أعدل من يعدل وعدل، وأرحم من يرحم ورحم وقد جاء هذا الوصف في عدّة آيات منها: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} وفي الآية تهديد ووعيد عرفه ابن مسعود رضي الله عنه فقال: إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله في هلاكهم.
٥ أي: وما صرفنا عن إرسالك يا رسولنا بالمعجزات التي يطالب بها المشركون إلاّ تكذيب الأولين بها وهؤلاء مثلهم لو أرسلناك بها فكذبوا بها واستحقوا الهلاك ونحن لا نريد لهم ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>