للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديث التفصيلي عن أصحاب الكهف في أول السورة وهذا بدء الحديث المتضمن للإجابة عن الملك ذي القرنين عليه السلام قال تعالى: {ويسألونك} يا نبينا {عن ذي القرنين قل} للسائلين من مشركي قريش {سأتلوا عليكم منه١ ذكراً} أي سأقرأ عليكم من أمره وشأنه العظيم ذكراً خبراً يحمل الموعظة والعلم والمعرفة: وقوله تعالى: {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً} هذه بداية الحديث عنه فأخبر تعالى أنه مكن له في الأرض بالملك والسلطان، وأعطاه من كل شيء يحتاج إليه في فتحه الأرض ونشر العدل والخير فيها سبباً يوصله إلى ذلك، وقوله {فأتبع سبباً} ٢ حسب سنة الله في تكامل الأشياء فمن صنع إبرة وتابع الأسباب التي توصل بها إلى صنع الإبرة فإنه يصنع المسلة، وهكذا تابعه بين أسباب الغزو والفتح والسير في الأرض {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} وهي على ساحل المحيط الأطلنطي، وكونها تغرب فيها هو بحسب رأي العين، وإلاّ فالشمس في السماء والعين الحمئة٣ والمحيط إلى جنبها في الأرض وقوله تعالى: {ووجد عندها} أي عند تلك العين في ذلك الإقليم المغربي {قوماً} أي كافرين غير مسلمين فأذن الله تعالى له في التحكم والتصرف فيهم إذ يسر له أسباب الغلبة عليهم وهو معنى قوله تعالى: {قلنا يا ذا القرنين} وقد يكون نبياً ويكون قوله الله تعالى هذا له وحياً وهو {إما أن تعذب} بالأسر والقتل، {وإما أن تتخذ فيهم حسنا} وهذا بعد حربهم والتغلب عليهم فأجاب ذو القرنين ربه بما أخبر تعالى به: {أما من ظلم٤} أي بالشرك والكفر {فسوف نعذبه} بالقتل والأسر، {ثم يرد إلى ربه} بعد موته {فيعذبه عذاباً نكراً} أي فظيعاً أليمًا. {وأما من آمن وعمل صالحاً} أي أسلم وحسن إسلامه {فله جزاء٥} على إيمانه وصالح أعماله {الحسنى} أي الجنة في الآخرة {وسنقول له من أمرنا يسراً} فلا نغلظ له في


١ {ذكراً} أي: خيراً يتضمن ذكره.
٢ أصل: السبب: الحبل واستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء، وأوتي ذو القرنين من كل شيء علماً يتسبب به إلى ما يريد فتوصّل إلى فتح البلاد وقهر الأعداء وقرىء فأتبع سببا بقطع الهمزة وقرأ أهل المدينة فاتَّبع سبباً بهمزة وصل وتشديد التاء.
٣ قرأ الجمهور: (حمئة) من الحماة أي كثيرة الحمأة وهي الطين الأسود وقرأ بعضهم حامية أي: حارة وجائز أن تكون حامية من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء.
٤ أي: قال لأولئك القوم أمّا مَنْ ظلم.. الخ.
٥ قراءة أهل المدينة (فله جزاءُ الحسنى) برفع جزاء بدون تنوين والحسني مضاف إليه والخبر تقديره: عند الله. وقرأ غيرهم بنصب جزاء على التمييز أي: فله الحسنى جزاء ًويجوز أن يكون منصوباً على المصدرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>