للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

بعد أن قص الله تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجاباً معتزلة أهلها منقطعة إلى ربها إلى أن أشارت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال: إني عبد الله، فبين تعالى أن جبريل بشرها، وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها: أن لا تحزني، وأرشدها إلى القول الذي تقول لقومها إذا سألوها عن ولادتها المولود بدون أب، وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعلا فأجاب بأنه عبد الله وأنه آتاه الكتاب وجعله نبياً ومباركاً وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حياً وأنه بر بوالدته، ولم يكن جباراً شقياً فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الآية (٣٤) {ذلك} أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو {عيسى ابن مريم} ، وما أخبرتكم به هو {قول١ الحق الذي فيه يمترون} أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال النصارى هو الله وابن الله وثالث ثلاثة حسب فرقهم وطوائفهم المتعددة وقوله تعالى: {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه} ينفي تعالى عنه اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه، وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلام كان بكلمه الله تعالى له كن فكان وهو معنى قوله تعالى {إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون٢} . وقد نزه تعالى نفسه عن الولد والشريك والشبيه والنظير، والافتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله: سبحانه أي تنزيها له عن صفات المحدثين وقوله تعالى: {وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم٣} هذا من قول٤ عيسى عليه السلام لبني إسرائيل أخبرهم أنه عبد الله وليس بابن لله ولا بإله مع الله وأخبرهم


١ قرأ الجمهور برفع قول وقرأ عاصم بنصبها، فأما الرفع فهو خبر ثانٍ عن اسم الإشارة أو وصف لعيسىأ وبدل منه، وأمّا النصب فعلى الحال من اسم الإشارة.
٢ في هذا ردّ على النصارى القائلين بأن المكوّن بأمر التكوين من غير سبب معتاد لا يكون إلاّ ابن الله تعالى فبيّنت الآية أن أصول الموجودات كلها كانت بأمر التكوين فهل يقال فيها أبناء الله؟! والجواب قطعاً لا، وعليه فقد بطل قولهم: عيسى ابن الله لأنّه كان بكلمة التكوين.
٣ جملة: {هذا صراط مستقيم} تذييل وفذلكة لما سبق من الكلام وإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف وجوهه، في تقرير الحق وإبطال الباطل.
٤ نعم الظاهر أنه من قول عيسى عليه السلام، والجمل قبله من قوله تعالى: {ذلك عيسى بن مريم} اعتراض بين قول عيسى الأوّل: {إني عبد الله} وبين قوله {وإن الله ربّي وربكم} .

<<  <  ج: ص:  >  >>