للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات أهلكناهم بكفرهم ومعاصيهم فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا. وقوله تعالى: {إن في ذلك} المذكور من الإهلاك للقرون الأولى {لآيات} أي دلائل واضحة على وجوب الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما، {لأولى النهى} أي لأصحاب العقول أما الذين لا عقول لهم لأنهم عطلوها فلم يفكروا بها فلا يكون في ذلك آيات لهم. وقوله تعالى {ولولا كلمة سبقت١ من ربك} بأن لا تموت نفس حتى تستوفي أجلها، وأجل مسمن عند الله في كتاب المقادير لا يتبدل ولا يتغير لكان عذابهم لازماً لهم لما هم عليه من الكفر والشرك والعصيان. وعليه {فاصبر} يا رسولنا {على ما يقولون} من أنك ساحر وشاعر وكاذب وكاهن من كلمات الكفر، واستعن على ذلك بالصلاة ذات الذكر والتسبيح {قبل طلوع الشمس} وهو صلاة الصبح {وقبل غروبها} وهو صلاة العصر {ومن آناء الليل} أي ساعات الليل وهما صلاتا المغرب والعشاء، {وأطراف النهار} وهو صلاة الظهر لأنها تقع بين طرفي النهار أي نصفه الأول ونصفه الثاني٢ وذلك عند زوال الشمس، لعلك بذلك ترضى بثواب الله تعالى لك.

وقوله تعالى {ولا تمدن عينيك} أي لا تتطلع ناظراً {إلى ما متعنا به أزواجاً منهم} أشكالاً في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم {زهرة٣ الحياة الدنيا} أي من زينة الحياة الدنيا {لنفتنهم فيه} أي لنختبرهم في ذلك الذي متعناهم به من زينة الحياة الدنيا وقوله تعالى: {ورزق ربك} أي ما لك عند الله من أجز ومثوبة خير وأبقي٤ خيراً في نوعه وأبقى في مدته، واختيار الباقي على الفاني مطلب العقلاء.

وقوله تعالى: {وأمر أهلك٥ بالصلاة واصطبر عليها} أي من أزواجك وبناتك وأتباعك


١ فيه تقديم وتأخير، الأصل: ولولا كلمة سبقت وأجل مسبق لكان لزاماً. أي لكان العذاب لازماً لهم.
٢ العتمة. واحد الأناء: أنيٌ وإنى وأنى.
٣ قال مجاهد: الأغنياء منهم، وبهذا يشمل النساء والرجال إذ كل منهما زوج فرجح هذا أنّ أزواجاً: مفعول به، ولا يتنافى هذا مع ما في التفسير لأن قولنا: أشكالاً في عقولهم وأخلاقهم وسلوكهم يعني: منطقاً الرجال الأزواج.
٤ {زهرة} منصوب على الحال من الموصول. والزهرة: واحدة الزهور وهو نور الشجر والمراد هنا: الزينة المعجبة المبهرة في النساء والبنين والأنعام والبساتين والجنان.
٥ الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميع أمّته تابعة له في ذلك فكلّ مؤمن يجب عليه أن يقيم الصلاة وأن يأمر أهله بذلك ويصبر. روي أنه لما نزلت هذه الآية كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يذهب إلى بنته فاطمة كل صباح وقت الصلاة" وكان عمر رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية: وكان عروة بن الزبير إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ: {ولا تمدّن عينك..} الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>