للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{الذي يعلم السر في السموات والأرض} أي سر ما يسره أهل السموات وأهل الأرض فهو علام الغيب المطلع على الضمائر العالم بالسرائر، ولولا أن رحمته سبقت غضبه لأهلك من كفر به وأشرك به سواه {إنه كان غفوراً رحيماً} يستر زلات من تاب إليه ويرحمه مهما كانت ذنوبه.

وقوله تعالى: {وقالوا: ما لهذا١ الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا٢ أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} هذه كلمات رؤوساء قريش وزعمائها لما عرضوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يترك دعوته إلى ربه مقابل ما يشاء من ملك أو مال أو نساء أو جاه فرفض كل ذلك فقالوا له إذاً فخذ لنفسك لماذا وأنت رسول الله تأكل الطعام وتمشي في الأسواق٣ تطلب العيش مثلنا فسل ربك ينزل إليك ملكاً فيكون معك نذيراً أو يلقي إليك بكنز من ذهب وفضة تعيش بها أغنى الناس، أو يجعل لك جنة من نخيل وعنب، أو يجعل لك قصوراً من ذهب تتميز بها عن الناس وتمتاز فيعرف قدرك وتسود قومك وقوله تعالما: {وقال الظالمون٤} أي للمؤمنين من أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً أي أنكم بإتباعكم محمداً فيما جاء به ويدعو إليه ما تتبعون إلا رجلاً مسحورً، أي مخدوعاً مغلوباً على عقله لا يدري ما يقول ولا ما يفعل أي فاتركوه ولا تفارقوا ما عليه آباؤكم وقومكم. وقوله تعالى: {انظر كيف ضربوا٥ لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً} أي انظر يا رسولنا إلى هؤلاء المشركين المفتونين كيف شبهوا لك الأشباه وضربوا لك الأمثال الباطلة فقالوا فيك مرة هو ساحر، وشاعر وكاهن ومجنون فضاعوا في هذه التخرصات وضلوا طريق الحق فلا يرجى لهم هداية بعد، وذلك لبعد ضلالهم فلا يقدرون على الرجوع إلى الحق وهو معنى قوله: {فلا يستطيعون سبيلاً} .


١ الاستفهام للتعجب، وجملة: {يأكل الطعام} جملة حالية، وقولهم: {هذا الرسول} من باب المجاراة وإلاّ فهم مكذّبون برسالته.
٢ لولا: حرف تحضيض استعملت هنا في التعجيز أي: لولا أنزل عليه ملك لاتبعناه وإنهم كاذبون.
٣ {الأسواق} جمع سوق، وسميت السوق سوقاً لقيام الناس فيها على ساق للبيع والشراء وورد ذكرها في الكتاب والسنة والعمل فيها مباح وكان الرسول يأتيها يدعو أهلها إلى الإسلام وورد أنها شرّ البقاع والمساجد خيرها وهي مقابلة، وورد أنه من قال فيها رافعاً بها صوته: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير واليه المصير وهو على كل شيء قدير كتب له ألف ألف حسنة. "
٤ هذا القائل هو: عبد الله بن الزبعري أيّام جاهلتيه إذ أسلم فيما بعد وحسن إسلامه.
٥ هذه الجملة تعجبية وهي إخبار منه تعالى عن حال المشركين إذ ضلوا في تلفيق المطاعن والبحث عن التهم لدفع الحق وإبطاله فعجزوا وتاهوا في طرق طلبهم ما يبطلون به دعوة الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>