للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إذا رأتهم١ من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} هذا وصف للسعير وهو أنها إذا رأت أهلها من ذوي الشرك والظلم والفساد من مكان بعيد تغيظت عليهم تغيظاً وزفرت زفيراً مزعجاً فيسمعونه فترتعد له فرائصهم. {وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين} مشدودة أيديهم إلى أعناقهم بالأصفاد {دعوا هنالك} أي نادوا بأعلى أصواتهم يا ثبوراه أي يا هلاكاه أحضر فهذا وقت حضورك: فيقال لهم: خزياً وتبكيتا وتحسيراً: {لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} ، فهذا أوآن هلاككم وخزيكم وعذابكم وهنا يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قل} لأولئك المشركين المكذبين بالبعث والجزاء: {أذلك} أي المذكور من السعير والإلقاء فيها مقرونة الأيدي بالأعناق وهم يصرخون يدعون بالهلاك {خير أم٢ جنة الخلد التي وعد المتقون} أي التي وعد الله تعالى بها عباده الذين اتقوا عذابه بالإيمان به وبرسوله وبطاعة الله ورسوله قطعاً جنة الخلد خير ولا مناسبة بينها وبين السعير، وإنما هو

التذكير لا غير وقوله: {كانت لهم} أي جنة الخلد كانت لأهل الإيمان والتقوى {جزاء} أي ثواباً، {ومصيراً} يصيرون إليه لا يفارقونه وقوله تعالى: {لهم فيها ما يشاءون} أي فيها من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وقوله: {خالدين} . أي فيها لا يموتون ولا يخرجون، وقوله: {كان على ربك وعداً مسئولاً} أي تفضل ربك أيها الرسول بها فوعد بها عباده المتقين وعداً يسألونه إياه فينجزه لهم فهم يقولون: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على

رسلك} ، {والملائكة تقول ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} .

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

١- بيان أن مرد كفر الكافرين وظلم الظالمين وفساد المفسدين إلى تكذيبهم بالبعث والجزاء


١ إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم فقد ورد مرفوعا أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً. قيل يا رسول الله ولها عينان؟ قال: أما سمعتم الله عز وجل يقول: {إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول: وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر". الحديث صححه ابن العربي في القبس.
٢ إن قيل: كيف قال: {أذلك خير} ولا خير في النار؟ قيل: هذا من باب قول العرب: الشقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ وقد علم أنّ السعادة أحب إليه. قال حسان:
أتهجوه ولست له بكفىء
فشركما لخيركما الفداء
وقطعاً الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا شرّ فيه البتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>