للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنا لم نشأ لحكمة اقتضتها ربوبيننا وهي أن تكون أيها الرسول أفضل الرسل وأعظم منزلة وأكثرهم ثواباً فحبوناك بهذا الفضل فكنت رسول كل القرى أبيضها وأسودها فأصبر وتحمل، واذكر شرف منزلتك {فلا تطع الكافرين} في أي أمر أرادوه منك {وجاهدهم} به أي بالقرآن وكله حجج وبينات جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى١ جهدك. بعد هذه الجملة الاعتراضية من الكلام الإلهي قال تعالى مواصلاً ذكر مظاهر ربوبيته تعالى على خلقه.

{وهو الذي مرج البحرين} الملح والعذب أي أرسلهما مع بعضهما بعضاً {هذا عذب فرات} أي حلو {سائغ شرابه، وهذا ملح٢ أجاج} أي لا يشرب {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} أي ساتراً مانعاً من اختلاط العذب بالملح مع وجودهما في مكان واحد، فلا يبغي هذا على هذا بأن يعذب الملح أو يملح العذب. وقوله تعالى {وهو الذي خلق من الماء بشراً} أي من المني ونطفته خلق الإنسان وجعله ذكراً وأنثى وهو معنى قوله {نسباً وصهراً٣} أي ذوي نسب ينسب إليهم وهم الذكور، وذوات صهر يصاهر بهن وهن الإناث. وقوله تعالى {وكان ربك قديراً} أي على فعل ما يريده من الخلق والإيجاد أو التحويل والتبديل، والسلب والعطاء هذه مظاهر الربوبية المقتضية لعبادته وتوحيده والمشركون يعبدون من دونه أصناماً لا تنفعهم إن عبدوها، ولا تضرهم إن لم يعبدوها وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم فيعبدون الشيطان إذ هو الذي زين لهم عبادة الأصنام وبذلك كان الكافر على ربه ظهيرا إذ بعبادته للشيطان يعينه على معصية الرب تبارك وتعالى وهو معنى قوله تعالى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا أي معيناً للشيطان على الرحمن والعياذ بالله تعالى.

وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك لغير بشارة المؤمنين بالجنة ونذارة الكافرين بالنار أما هداية القلوب فهي إلينا من شئنا هدايته


١ ولا يخالطه فتور، وقيل الجهاد بالسيف ويرده أن السورة مكية ولم يجر للسيف ذكر فكيف يكون المراد، وقيل: بالإسلام وهو أولى من السيف والقرآن اصح، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
٢ الملح يوصف به الماء، ولا يقال مالح إلاّ نادراً والأجاج ما كان ملحاً مراً والعذب. الحلو والفرات: زائد الحلاوة، والبرزخ: الحاجز المانع والحرام المحرم أن يعذب الملح أو يملح العذب.
٣ صهر الرجل: قريب زوجته وأصهاره: أقارب زوجته. وختن الرجل من تزوج قريبته، وأختانه: أقارب من زوّجه قريبته، والحم والجمع أحماء أقرباء زوج المرأء, والصهر والنسب: معنيان يَعُمّان كل قربى تكون بين آدميين، قال ابن العربي النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع وما في التفسير أوضح لأنه كقوله تعالى: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} .

<<  <  ج: ص:  >  >>