للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذ نسويكم برب العالمين: أي في العبادة فعبدناكم كما يعبد الله جل جلاله.

ولا صديق حميم: أي يهمه أمرنا وتنفعنا صداقته نحتمى به من أن نعذب.

فلو أن لنا كرة: أي رجعة إلى الدنيا لنؤمن ونوحد ونعبد ربنا بما شرع لنا.

معنى الآيات:

قوله تعالى {فكبكبوا} ١ ب عد ذلك الاستفهام التوبيخي التقريعي الذي تقدم في قوله تعالى {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون} ؟ وفشلوا في الجواب ولم يجيدوه إذ هو غير ممكن فأخبر تعالى عنهم بأنهم كبكبوا في جهنم - أي كبوا على وجوههم ودحرجوا فيها هم والغاوون جمع غاوٍ أي فاسد العقيدة والعمل وجنود إبليس أجمعون من أتباع الشيطان وأعوانه من دعاة الشرك والمعاصي والجريمة في الأرض من الإنس والجن قوله تعالى {قالوا وهم٢ فيها يختصمون} أي وهم في جهنم يختصمون كل واحد يحمل الثاني التبعة والمسؤولية فقال المشركون لمن أشركوا بهم {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} أي ظاهر بين لا يختلف فيه، وذلك {إذ نسويكم برب العالمين} عز وجل فنعبدكم معه، {وما أضلنا إلا المجرمون} وهم دعاة الشرك والشر والضلال الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها، وأجرموا علينا فأفسدوا نفوسنا بالشرك والمعاصي، وقوله تعالى {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} هذا قولهم أيضاً قرروا فيه حقيقة أخرى وهي أنه ليس لهم في هذا اليوم من شافعين يشفعون لهم عند الله تعالى لا من الملائكة ولا من الإنس والجن إذ لا شفاعة تنفع من مات على الشرك والكفر، وقولهم ولا صديق حميم أي وليس لنا أي من صديق حميم تنفعنا صداقته وولايته.

وقالوا متمنين بعد اليأس من وجود شافعين {فلو أنّ لنا كرة٤} أي رجعة إلى دار الدنيا {فنكون من المؤمنين} فنؤمن ونوحد ونتبع الرسل. وهذا آخر ما أخبر تعالى به عنهم من كلامهم في


١ {كبكبوا} أي: كبوا فيها كباً بعد كب لأنّ كبكبوا مضاعف: كبوا بالتكرير نحو: كفكف الدمع أي: كفّه مرة بعد مرة.
٢ من الجائز أن يكون هذا من كلام إبراهيم إلاّ أن كونه من كلام الله تعالى موعظة لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى وقد استظهره ابن عطية رحمه الله تعالى وجملة {وهم فيها يختصمون} حالية، وجملة تالله الخ مقول القول.
(إذ) ظرفية وليست تعليلية أي: الوقت الذي كنا نسويكم برب العالمين، وهذا الكلام منهم كلام متندم حزن على ما فاته وصدر منه كقول أبي بكر وقد أمسك بلسانه وقال له: أنت أوردتني الموارد وكقوله: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شرّ تسلم.
٤ {لو} حرف تمن وأصلها: لو الشرطية لكنها تنوسي منها معنى الشرط إذ المراد: لو رجعنا إلى الدنيا لأمنا وعملنا صالحاً ولما لم يقصد تعليق الامتناع على الامتناع تمحضت لو للتمني.

<<  <  ج: ص:  >  >>