للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما قوله تعالى في الآية: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل الله. فأجابهم الله تبارك وتعالى بقوله: {قُلِ الْعَفْوَ} أي: ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم. ومن هنا قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه البخاري. وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي: مثل هذا البيان يبين الله لكم الشرائع والأحكام والحلال ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والآخرة فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لآخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على حسب ذلك.

وهذا ما تضمنته الآية الأولى (٢١٩) ، أما الآية الثانية (٢٢٠) : {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} الآية، فإنه لما نزل قوله تعالى من سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد، وفصل من كان في بيته يتيم يكفله، فصل طعامه عن طعامه، وشرابه عن شرابه، وحصل بذلك عنت ومشقة كبيرة وتساءلوا عن المخرج، فنزلت هذه الآية، وبينت لهم أن المقصود هو إصلاح مال اليتامى وليس هو فصله أو خلطه، فقال تعالى: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ ... } مع الخلط خير من الفصل مع عدم الإصلاح، ودفع الحرج في الخلط فقال: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ١ فَإِخْوَانُكُمْ} ، والأخ يخالط أخاه في ماله، وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له ليكونوا دائماً على حذر، وكل هذا حماية لمال اليتيم الذي فقد والده. ثم زاد الله في منته عليهم برفع الحرج في المخالطة فقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لاعْنَتَكُمْ٢} أي: أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم، وقوله: {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي غالب على ما يريده حكيم فيما يفعله ويقضي به.


١ {فإخوانكم} : الفاء واقعة في جواب إن الشرطية، وإخوانكم: خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: فهم إخوانكم.
٢ مفعول المشيئة محذوف كما هو الغالب فيه، والتقدير: ولو شاء الله عنتكم لأعنتكم، أي: كلفكم ما فيه العنت والمشقة، ولكنه لم يفعل رحمة بكم ولطفاً بحالكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>