للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تسمع الصم الدعاء: أي ولا تقدر على إسماع كلامك الصم الذين فقدوا حاسة السمع.

إذا ولوا مدبرين: أي إذا رجعوا مدبرين عنك غير ملتفتين إليك.

إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا: أي ما تسمع إلا من يؤمن بآيات الله.

معنى الآيات:

قوله تعالى: {إِنَّ (١) هَذَا الْقُرْآنَ} الكريم الذي أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} المعاصرين لنزوله {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كاختلافهم في عيسى عليه السلام ووالدته إذ غلا فيهما البعض وأفرطوا فألهّوهما وفرط فيهما البعض فقالوا في عيسى ساحر، وفي مريم عاهرة لعنهم الله، وكاختلافهم في صفات الله تعالى وفي حقيقة المعاد، وكاختلافهم في مسائل شرعية وأخرى تاريخية. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَهُدىً (٢) وَرَحْمَةٌ} أي وإن القرآن الكريم لهدى، أي لهادٍ لمن آمن به إلى سبيل السلام ورحمة شاملة {لِلْمُؤْمِنِينَ} (٣) به، العاملين بما فيه من الشرائع والآداب والأخلاق. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ} أي أيها الرسول {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} أي بين الناس من وثنيين وأهل كتاب يوم القيامة بحكمه (٤) العادل الرحيم، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب الذي ينفذ حكمه فيمن حكم له أو عليه {الْعَلِيمُ} بالمحقين من المبطلين من عباده فلذا يكون حكمه أعدل وأرحم ولذا {فَتَوَكَّلْ عَلَى (٥) اللهِ} أيها الرسول بالثقة فيه وتفويض أمرك إليه فإنه كافيك. وقوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} أي إنك يا رسولنا على الدين الحق الذي هو الإسلام وخصومك على الباطل فالعاقبة الحسنى لك، لا محالة. وقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} والكفار موتى بعدم وجود روح الإيمان في أجسامهم والميت


١- هذا الكلام مستأنف استئنافاً بيانياً إذ هو جواب لكل شاك في توحيد الله وفي البعث الآخر وفي نبوة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن قال: كيف يكون لا إله إلا الله وكيف يكون البعث وكيف يكون محمد رسولاً؟ فالجواب: أن هذا القرآن العظيم أكبر برهان وأعظم دليل على صدق تلك القضايا الثلاث: التوحيد، والبعث، والنبوة.
٢- هذا التوكيد بإن في المواطن الثلاثة: (إن هذا القرآن) و (إنه لهدى) (إن ربك يقضي) تطلبه الابتداء من جهة وشأن الاخبار من جهة أخرى. لأن عادة الإنسان إذا أخبر بخبر ذي شأن يتساءل في نفسه عن صحته وعدمها فيتعين التأكيد له.
٣- خصّ المؤمنون بالذكر دون الكافرين لأنهم هم المنتفعون به.
٤- جائز أن يكون المراد من الحكم: الحكمة، أي: يحكم بينهم بالحكمة التي تضع كل شيء في موضعه فلا يحدث حيف ولا جور. وإطلاق الحكم على الحكمة كثير في القرآن منه: (وآتيناه الحكم صبيا) ويجوز أن يكون الحكم على ظاهره أو يحكم بينهم بحكمه المعروف بالعدل والنزاهة من الحيف والجور والخطأ.
٥- الفاء تفريعية أي: فبناء على عزة الله وعلمه فتوكل عليه ولا تخف فإنه لعزته وعلمه لا يضيعك ولا يهمل شأنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>